عدمية دعوة نتنياهو للمفاوضات

بقلم: دياب اللوح

بمجرد أن كلَّف الرئيس الإسرائيلي " نتنياهو" بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة , عاود تكرار دعوته للجلوس إلى طاولة المفاوضات , متجاهلاً تماماً أن دعوته منذ وقت طويل قد فقدت أهميتها بسبب مماطلته وإمعانه في بناء وتوسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطينية ومواصلة بناء الجدار وتهويد القدس , الأمر الذي وصل بالمفاوضات والعملية السياسية إلى طريق مسدود , ووضع المنطقة برمتها على أعتاب مرحلة من القلق والتوتر وأجواء الحرب , حيث سيطر على خطابه السياسي والإعلامي والانتخابي مسألة منع إيران من امتلاك السلاح النووي , ودخل في مواجهة مع الإدارة الأمريكية , ومارس شتى أنواع الضغوط لانتزاع قرار يسوغ توجيه ضربة عسكرية لإيران .

أكد نتنياهو على ضرورة توحيد كافة الجهود ضمن الائتلاف الحكومي القادم من أجل ضمان قدرة إسرائيل على الوقوف في وجه تحدياتها , وقال إن المهمة الأولى أمام الحكومة القادمة ستكون منع إيران من امتلاك السلاح النووي , وجاءت مسألة المفاوضات والسلام في ذيل أهداف حكومته القادمة , في دلالة سياسية واضحة أن دعوته بالعودة إلى طاولة المفاوضات لا تؤسس إلى مفاوضات سياسية جدية مع الجانب الفلسطيني , وأنها مجرد دعوة علاقات عامة ، تهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على إسرائيل ، واستباق أي مبادرة سياسية لإحياء المفاوضات على أساس القواعد المنصوص عليها في خطة خارطة الطريق ، وأساس حل الدولتين ، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة , وإفراغ المبادرة الأوروبية المرتقبة من محتواها , والالتفاف على المطالب الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات , وخاصة مطلب تجميد الاستيطان , ومطلب الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية ، والذي سبق وأن تجاهلهما ورفضهما , وواصل إطلاق دعوته المفرغة من أي مضمون للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة , وهذا يعني بدون أدنى شك بأن دعوته الجديدة - القديمة ليست إلا دعوة عدمية لا قيمة لها , وللاستهلاك الإعلامي والائتلافي.

تأكيد " نتنياهو" بأن منع إيران من امتلاك السلاح النووي , يقف على رأس أجندته السياسية القادمة , يستدعي من الجانب الفلسطيني , إمعان النظر بشكلٍ جديٍ وعميق في مستقبل المفاوضات مع إسرائيل , خاصة في ظل انسداد الأفق السياسي , وهروب " نتنياهو" باتجاه المسألة الإيرانية , وإن توجيه ضربه جوية إسرائيلية للقافلة في الأراضي السورية , والتي تدعي إسرائيل بأنها كانت تحتوي على بطاريات صواريخ مضادة للطائرات في طريقها من سورية إلى حزب الله في لبنان , إنما تهدف من وجهة نظر إسرائيل إلى منع إضافة قدرة هجومية لدى حزب الله ضد إسرائيل , تحت مظلة متطورة من مضادات الطائرات , يمكن أن يستخدمها ضد إسرائيل في حال وجهت إسرائيل ضربة عسكرية لإيران , وهذا مؤشر سياسي وعسكري في ذات الوقت , بأن إسرائيل تجري قياس قوة لمدى قوة النيران وخاصة الصاروخية منها لدى حزب الله في الجبهة اللبنانية من جهة , ولدى المقاومة الفلسطينية في جبهة قطاع غزة من جهة أخرى , وهذا كان هدفاً من أهداف حرب الأيام الثمانية التي تعرضت لها غزة في أعقاب اغتيال القائد أحمد الجعبري في (14/11/2012م) .

تأكيد نتنياهو بأن الملف الإيراني على رأس جدول أعمال حكومته القادمة , هو استباق لوصول وزير الخارجية الأمريكية الجديد "جون كيري" إلى المنطقة خلال الأسابيع القادمة , ورسالة إلى الإدارة الأمريكية والرئيس "أوباما" شخصياً بأن الاتجاه هو إيران وليس السلام مع الشعب الفلسطيني , وهذا يستدعي من الطرف الفلسطيني بكل مكوناته السياسية والتنظيمية في منظمة التحرير والسلطة الوطنية , والقوى السياسية , ومنظمات المجتمع المدني , الإسراع والعمل , لإنجاح الجهود المبذولة , لإنهاء الانقسام , وتحقيق المصالحة , لاستعادة الوحدة الوطنية تحت عنوان واحد وهو حكومة فلسطينية جديدة واحدة , تُؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني والسياسي والديمقراطي , والشراكة الحقيقية , تكون قادرة على توفير الظروف والشروط الذاتية والموضوعية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على كافة المستويات أولاً , وحشد الطاقات والإمكانيات الوطنية والقومية , لصناعة موقف عربي داعم ثانياً , وموقف دولي قادر على تحمل مسؤولياته ثالثاً , من أجل إنقاذ المنطقة من خطر الإرهاب الإسرائيلي , ومنع وقوع أي حرب قادمة , وأخذ زمام المبادرة الدولية الجادة , لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي , وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة , وتمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضه المحتلة وعاصمتها القدس الشريف , كمدخل حقيقي لبناء السلام العادل والشامل في المنطقة , وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة تحمل مسؤولياتها , وأن تدفع زيارة "جون كيري" المرتقبة للمنطقة , في اتجاه موقف جديد , يُؤسس لمرحلة جديدة بعيداً عن الغطرسة الإسرائيلية , والاستفراد الإسرائيلي , يُعيد الاعتبار للشرعية الدولية , ودور المجتمع الدولي في الكيل بمكيال واحد تجاه كافة القضايا والنزاعات الدولية , ويعيد الثقة المفقودة في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية .

5/2/2013م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت