المتقاعدون العسكريون يتخطفهم الموت دون تكريم !!

بقلم: عبد القادر فارس


من المؤسف حقا ما يتعرض له المتقاعدون العسكريون من إهمال رسمي , وهم الذين قامت الثورة ثم السلطة على أكتافهم , ومنهم من أفنى نصف قرن من عمره في خدمة وطنهم , في مواقع الصراع مع العدو , تعرضوا خلالها للمخاطر والموت في الأردن وسوريا ولبنان , في معارك لم تتوقف من جنوب الأردن إلى جنوب لبنان , ومن عمان أيلول الأسود عام 1970 , إلى بيروت الصمود عام 1982 , قبل رحلات التشتت في عدد من الدول العربية , حيث معسكرات الصحارى العربية في السارة في ليبيا أو في تبسة والبيض في الجزائر , أو في الأماكن النائية في السودان واليمن , متحملين حر الصحراء وبرد الشتاء , في انتظار العودة لأرض الوطن , وعلى مر المسيرة الكفاحية قضى على الطريق من مضى من الشهداء , وعاد من عاد ليشارك في بناء الوطن وحفظ أمنه , " منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبدبلا " , بقوا على العهد الذي قطعوه على أنفسهم , يعملون دون كلل أو ملل , إلى أن مر العمر سريعا ووجدوا أنفسهم قد تجاوزوا الستين ليتم تقاعدهم بفعل السن , وهناك من تعرض لقرارات التقاعد الرسمية , بحجة تجديد المؤسسة الأمنية بروح الشباب , بعد أن أفنى هؤلاء المتقاعدين زهرة شبابهم في الحروب والشتات , ورغم ذلك رضي أغلبهم بأن يصبح من فئة الــ " مت .. قاعد" , رغم أن البعض امتعض من تلك القرارات , وقال بأنه ما زال قادرا على العطاء .
أربعة آلاف متقاعد عسكري أو يزيد , يجلسون في بيوتهم , أو يقضون بعض الوقت في مقرات الهيئة الوطنية للمتقاعدين , يتذكرون الماضي ويتسامرون , ويمضون السنوات في انتظار المجهول , فإما المرض أو الموت , هذا هو المصير المحتوم , وهاهو الموت يتخطفهم دون أن يتم تكريمهم , وحتى دون أن يتحصلوا على حقوقهم المالية , فلم يتم تحويلهم إلى هيئة التقاعد " التأمين والمعاشات " أسوة بالموظفين المدنيين , ينتظرون الراتب الشهري من وزارة المالية الذي قد يتقلص لنصف راتب , أو يتأخر لمدة شهر أو أكثر , وهم الذين لا دخل لهم سوى الراتب , بعد أن انتظروا طويلا للحصول على مكافأة نهاية الخدمة , والتي توقعوا أن يتم تكريمهم بها لإنهاء حياتهم العملية , بشراء بيت لهم أو إقامة مشروع يدر عليهم بعض المردود لأبنائهم من بعدهم , لكن للأسف , بدأ " تقطير" بعض المكافأة جزءا جزءا ,
دون أن يشعر المتقاعد بقيمتها الفعلية , هذا عدا عن أن من يتوفاه الله , فإن المكافأة تشيع معه , ولن تستفيد منها عائلته من بعده , وكل ما يقدم له هو تكاليف العزاء , وراتب يتقلص بعد موته لزوجته وأولاده القصر , ولأن الكثير من المتقاعدين فقد الزوجة , وليس له أطفال صغار , فإن المكافأة تذهب إلى صندوق هيئة التأمين والمعاشات , أو تذهب أدراج الرياح .
ولم يقتصر عدم الوفاء والتكريم لهؤلاء الرجال رفاق القائد الرمز الراحل أبو عمار , والرئيس الحالي الأخ أبو مازن , ورفاق الشهداء القادة أبو جهاد وأبو إياد وأبو علي إياد وأبو صبري , وكافة الشهداء الذين سبقونا دون إغفال أي شهيد قضى على درب الوطن , على أمل أن يعيش من بقي من هؤلاء بكرامة في هذا الوطن , لم يقتصر على التقصير المادي تجاهم , بل أيضا التقصير المعنوي لتكريمهم , فعندما يتوفى أحدهم , قد يتم نعيه عبر شريط تلفزيون فلسطين لساعة أو ساعتين , قبل أن يرفع نعيه من على شاشة التلفزيون , كما أنه قد لا يحظى بملصق يحمل صورته تعلق في عزائه , ليتعرف عليه من يحضر العزاء من الأهل والرقاق والأصدقاء والجيران , ويقرؤون تاريخ هذا الشهيد , الذي مضى ولن يعود , فهل أقل من تكريم معنوي أيضا , حتى بعد رحيلهم .. نتمنى التفاتة رسمية من قيادتنا لهذه الفئة من شعبنا , التي لولاها لما كان لنا ثورة , وما كان لنا سلطة ودولة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت