نجاد في القاهرة...العلاقات الإيرانية-المصرية إلى أين؟

بقلم: د.علاء مطر


تضرب العلاقات الإيرانية-المصرية بجذورها في أعماق التاريخ، مستندة على أسس جغرافية وسياسية واقتصادية وثقافية وعقائدية، حيث تشابكت المصالح بينهما بشكل كبير كان يصعب قطعها، حتى وإن انقطعت العلاقات السياسية بين البلدين خلال فترات التوتر تظل العلاقات التفاعلية الأخرى قائمة في كثير من الأحيان. كما يتضح من سير العلاقات أن التوتر الذي يطرأ على العلاقات بين البلدين ينبع من طبيعة شخصيتهما القومية ومدى إحساسهما بفاعليتهما ونفوذهما وتنافسهما في المنطقة، بالإضافة إلى الاختلاف في التوجهات السياسية.
مع نجاح الثورة الإيرانية في العام 1979 توجست مصر خيفة من شعاراتها، وراحت تراقب بقلق نذر تصعيد الخلافات الإيرانية-الأميركية. وقد أغضب إيران في حينه قرار مصر استضافة شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي بعد أن رفضت الولايات المتحدة استضافته. وما إن أقدمت مصر على توقيع معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل في مارس 1979 حتى بادرت طهران بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة. وبعد اغتيال السادات في أكتوبر 1981 أطلقت إيران اسم قاتله خالد الإسلامبولي على أحد شوارع طهران الرئيسية، وهو ما بات عامل توتر إضافياً في العلاقات.
مع تولي حسني مبارك الحكم وتسلمه تركة من توتر العلاقات الإيرانية-المصرية، زادت العلاقة توتراً بين البلدين سيما مع دعم الأخيرة للعراق في حرب الثماني سنوات، خاصة بعد حدوث تحول في موازين القوى العسكرية لصالح إيران ابتداء من 1982 واحتلال إيران أجزاء من الأراضي العربية، حيث ازداد توتر العلاقات بين مصر وإيران وتحولت إلى علاقات عدائية، خاصة مع توجيه الاتهام لطهران من قبل القاهرة، بإيوائها للعناصر الإرهابية المعارضة للنظام المصري، بالإضافة لعلاقتها مع التنظيم الشيعي في مصر.
وبشكل عام سيطرت أربع قضايا خلافية أساسية على مسار العلاقات بين البلدين في عهد مبارك، وهي قضايا "الأمن، عملية السلام، أمن الخليج، والجزر الثلاث"، يضاف إلى ذلك الاختلاف في التوجهات السياسية تجاه العلاقات مع الدول الأخرى، وتجاه العديد من الملفات ومنها العراقي، اللبناني، الفلسطيني، وذلك نظراً لعدد من المتغيرات التي طرأت على تلك الملفات والسياسة الإيرانية والمصرية المتباينة تجاهها.
بعد سقوط نظام مبارك تعالت الأصوات المتفائلة بعودة العلاقات، وتم تبادل التصريحات الإيجابية بين مسؤولين البلدين في هذا الصدد. إلا أنه وبعد مرور عامين على سقوط نظام مبارك، لا تزل العلاقات بين البلدين تراوح مكانها.
السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء الزيارة التاريخية التي يقوم بها حالياً الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلي مصر‏ لحضور القمة الإسلامية الثانية عشرة,‏ والتي تعتبر أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني منذ عام‏1979. هل ستشكل هذه الزيارة خطوة هامة في مسار استئناف العلاقات الإيرانية-المصرية؟.
المتتبع للسياسة الخارجية المصرية بعد الثورة وفي ظل نظام محمد مرسي ستجد أن النظام الحالي ورث العديد من القضايا الخلافية التي كانت تحول دون عودة العلاقات بين البلدين في عهد نظام مبارك وفي مقدمتها القضايا الأمنية وأمن الخليج وقضايا الجزر الثلاث، بالإضافة للاختلاف حول بعض التوجهات السياسية.
يرى النظام المصري الحالي أن استئناف العلاقات من شأنه التأثير سلباً على البيئتين الداخلية والخارجية للسياسة المصرية، فعلى صعيد الأولى تأتي المخاوف الأمنية سيما مع إمكانية سعي إيران لنشر التشيع وما سيثيره ذلك من قلاقل وإمكانية ولاء المتشيعين لإيران على حساب مصر، وذلك ما يرفضه النظام والأزهر والعديد من التيارات القوية داخل مصر ومنها التيارات السلفية، هذا بالإضافة لما قد تعززه العلاقات من قدرة إيران على التواصل أكثر مع الحركات الجهادية خاصة في سيناء. وعلى صعيد البيئة الخارجية فإن النظام ينظر لعودة العلاقات على أنها ذات تأثير سلبي على علاقة مصر بالعديد من الدول التي قد لا يروقها ذلك وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوربية، كما أن أمن الخليج وقضية الجزر الثلاث لا تزل من الملفات السلبية في العلاقات بين الجانبين، بخلاف الملف السوري التي تدعم فيه طهران الحل بمشاركة النظام بينما ترى القاهرة الحل بزوال النظام.
على حد تقديرنا فإن عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية-المصرية، ممكن جداً في حال تم القفز عن النقاط الخلافية وهي بالمناسبة ليست بالصعبة ومن الممكن تجاوزها، لو قدر الجانب المصري بالدرجة الأولى أهمية إيران الإقليمية وبالتالي أهمية عودة العلاقات معها، حيث تشكل عودة العلاقات مع طهران أداة ضاغطة في صالح تعظيم مصالح مصر في العديد من مناطق النفوذ وحتى على صعيد علاقاتها مع إسرائيل ودول الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، بل مع دول الخليج ذاتها التي لا ترقها الثورة ولا حكم الإخوان. فتعدد الأدوات التي تملكها الدولة في سياستها الخارجية بعد هام يدعم من رصيدها على صعيد سياستها الخارجية، علاوة على الفائدة الاقتصادية والتكنولوجية التي من الممكن أن تعود عليها من علاقاتها بإيران. عودة العلاقات مكسب للبلدين، وكما أسلفنا فإن نقاط الخلاف واهية أمام الفوائد التي ستعود عليهما، سيما لو تجاوز النظام المصري القضايا الخلافية وتم التنسيق وتقاسم المصالح والتعاون بين البدين في العديد من مناطق النفوذ "الخليج، أفريقيا، والمنطقة عموماً".
عليه فإن تقدير قيمة الفوائد التي ستجنيها مصر من عودة العلاقات مع إيران، يمكنها من التغلب على جميع القضايا الخلافية وفي مقدمتها الأمنية، فإيران التي تسعى جاهدة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر ثميناً منها لمكانتها والفوائد التي ستجنيها من هذه العلاقات وعلى الصعد كافة، ستغلب مصالحها على ما سواها ولن تجعل من نشر التشيع أود دعم أي طرف ما في مصر عقبة أمام تطور العلاقات الايجابية بين البلدين. بل أن استئناف العلاقات سيمكن مصر من التأثير أكثر على سياسة إيران الخارجية تجاهها وتجاه دول المنطقة، ومنها دول الخليج التي تعد القاهرة أمنها بالإضافة لقضية الجزر الثلاث عامل سلبي في العلاقات، رغم أن دول الخليج العربية ذاتها تربطها علاقات دبلوماسية كاملة مع طهران، واتفاقيات تعاون في العديد من المجالات ومنها المجال الأمني، كما أن الإمارات صاحبة مشكلة الجزر الثلاث، تعتبر من أكبر شركاء إيران التجاريين في العالم. حتى على صعيد إدارة الملفات الخلافية بين البلدين وفي مقدمتها الملف السوري سيتم تجاوزه بطريقة أفضل وفق توافق إيراني–مصري، ولن تجعل الأولى من هذا الملف حجر عثرة يحول دون تطور العلاقات مع مصر.
وبالعودة للإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفاً، فإن هذه الزيارة تنبع إيجابيتها من أنها زيارة تاريخية لرئيس إيراني يزور مصر لأول مرة منذ انتصار الثورة الإيرانية، وتأتي استمراراً للجهود الإيجابية في مسار استئناف العلاقات. إلا أنها لن تكون خطوة كبيرة في هذا الصدد سيما وأن النظام الحالي لازال ينظر للعلاقة مع إيران بكثير من سلبيات النظام السابق دون النظر بعين فاحصة للإيجابيات التي ستعود على مصر من الارتقاء بالعلاقات مع إيران إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي الكامل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت