من المتوقع أن تبدأ بعد أيام عملية تحديث سجل الناخبين الفلسطينيين، بعد الإتفاق بين الفصائل أن تباشر لجنة الإنتخابات المركزية عملها في قطاع غزة، وهذا ما يعطي مؤشراً على مدى الجدية في الذهاب الى المصالحة التي طال إنتظارها.
تأتي عملية تحديث سجل الناخبين في ظل ظروف داخلية صعبة وأزمات متلاحقة تركت حاجزاً كبيراً من عدم الثقة تولد ما بين القيادات السياسية وغالبية ليست بسيطة من أبناء الشعب الفلسطيني، قد تدفع الكثير منهم الى العزوف عن ممارسة التسجيل في سجل الناخبين وستدفع جزء آخر الى عدم الذهاب الى صندوق الإقتراع يوم الانتخابات إذا ما أجريت ظناً أن مقاطعة عمليتي التسجيل والانتخاب لن تجدي نفعاً، ويعتبرها البعض الآخر أنها شكل من أشكال الاحتجاج على الواقع الراهن وبالتالي لا يوجد من يستحق أن يدلى له بالصوت.
قد يكون لهذا الموقف ما يبرره في ضوء تجربة الشعب الفلسطيني مع الفصائل والأحزاب السياسية التي قدمت نموذجاً سيئاً في إدارة الأوضاع الداخلية للشعب الفلسطيني، وأحدثت إنقساماً زاد من معاناة الناس وراكم لديهم هموماً لم يكن يتوقعها أي فلسطيني في يوم من الأيام على أيدي فصائل يفترض أنها حركات تحرر تسعى لخلاص المجتمع من الظلم الواقع عليه بفعل الإحتلال الأسرائيلي .
وإن كان لموقف المقاطعة ما يبرره فإن لموقف المشاركة في التسجيل والإنتخاب تبريراً أقوى في حال توفر الوعي الكافي لدي الموطن، بإعتبار أن العملية الإنتخابية هي أحد أشكال المحاسبة التي تتيح لهم فرصة معاقبة من يرون أنه غير مؤتمن على مصالح المجتمع الفلسطيني، وإختيار من يعتقدون أنه الأقدر على قيادة الشعب وإدارة معاركه المختلفة بطريقة أفضل والسير مع الشعب الفلسطيني الى برّ الأمان بما يكفل التمسك بمشروعه التحرري، وإستكمال النضال الوطني ضد الإحتلال الأسرائيلي، في نفس الوقت تستجيب هذه القيادة للتحديات الأقتصادية والإجتماعية التي تؤرق قطاعات واسعة في المجتمع الفلسطيني كقضايا الفقر والبطالة ومشكلات الصحة والتعليم ونوعية الخدمات المقدمة في إطار خطط وسياسات تنموية حقيقية تعزز من صمود الناس وتخفف من الأضرار الناتجة عن جرائم الإحتلال .
لقد مارس الشعب الفلسطيني حقه الإنتخابي في إختيار ممثليه مرتين، وحرم من هذا الحق عدة مرات نتيجة الأزمات السياسية المتعاقبة التي كان آخرها الإنقسام، ومصادرة هذا الحق كان تجاوزاً للقانون وجريمة سياسية مارستها حكوماتان في ظل حالة قمعية لم يشهد لها الشعب مثيل، الى جانب إنتهاك الكثير من الحقوق السياسية والإقتصادية، مما أسهم في ضرب العملية الديمقراطية الفلسطينية في صميمها بعد تعطيل دورية الإنتخابات أحد أهم دعائم العملية الديمقراطية التي تؤسس لمجتمع التعدد السياسي وتفسح المجال واسعاً للتمايز الأخلاقي والتماسك الإجتماعي للفلسطينيين.
العملية الديمقراطية ليست عملية عد أصوات يوم الإنتخاب فقط، وإنما هي نظام متكامل لا يجوز مصادرة أحد أركانه، فالمشاركة والرقابة والمحاسبة والإنتخابات بطريقة حرة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية هي مكونات أساسية للعملية الديمقراطية، وما قامت به الفصائل الفلسطينية المنقسمة قوض دعائم هذه التجربة وأجهض طموحاً لدى الشعب بأن يقول كلمته، وتم تغييب القانون وتعطيل متعمد للمؤسسة التشريعية وهيمنة على السلطة القضائية وبروز دور أجهزة الأمن لتمارس ما مارست بحق المواطنين وتأسيس قاعدة مريحة للتفرد القيادي في مصير الشعب الفلسطيني كما هو حاصل الآن.
اذا كان الفلسطينينون قد حرموا حقّهم أكثر من مرة في قول كلمتهم، فالفرصة الآن ماثلة أمامهم لقولها، وهنا القول قد يكون مختلف ومخالف للتوقعات، فقد عودنا الشعب الفلسطيني على مفاجآت كثيرة وهذه المرة من الضروري أن تكون المفاجأة كبيرة بحجم الألم الذي تسببه قادة الإنقسام، وبحجم الحلم الذي يحلم به كل فلسطيني عاش في ظل ظلم الإحتلال وظلم ذوى القربى، إنها فرصة حقيقة لأن يكون صندوق الاقتراع عن قاعة محكمة كل فلسطيني يمثل فيها دور القاضي الذي سيحكم على أداء الجميع دون إسثناء، ويضع الفصائل أمام حقيقتها بشكل ديمقراطي حقيقي.
الخريجون في ظل مصير مجهول، المتعطلون عن العمل، الفقراء، ذوي الدخل المحدود، المصادرة حقوقهم السياسية، الذين تعرضوا لإنتهاكات أجهزة الأمن، المعترضون على السياسات الحكومية، الرافضون للإنقسام ، المزارعون من حملوا عبء الطبيعة في حقلهم، المرضى وذوي الإعاقة، طلاب الجامعات تحت نار إرتفاع الرسوم الجامعية، المرأة التي تطمح بتحسين واقعها، الشيوخ الذين يحلمون بضمان يحمى عجزهم، كل فلسطيني يرغب بجتمع تصان فيه الحقوق والحريات يجب أن يشارك في تحديد مستقبله والقيام بتسجيل نفسه وتحديث بياناته في سجل الناخبين ولا يسقط حقه في أن يكون القاضي يوم الإقتراع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت