الشقيقة الكبرى
يجب ألا تستشعر مصر خوفاً على دورها العربي والإقليمي من قطر، هذا ما قاله رئيس وزراء قطر إلى الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فجاء رد مبارك بأن مصر لا تخشى على دورها العربي والإقليمي من شقيقة صغرى، كأن الرئيس المصري السابق أراد أن يقول بأن الشقيقة الكبرى يتسع صدرها لاستيعاب ممارسات شقيقاتها، لا أعرف بالتحديد من كان له السبق في وصف مصر بالشقيقة الكبرى، لكنه الوصف الأدق لمكانة مصر في أمتها العربية، الشقيقة الكبرى التي لم يكن همها الأساس السعي وراء حياتها الخاصة وأحلامها بقدر ما كانت ترى حياتها في حياة العائلة العربية، ولكونها الكبرى بين شقيقاتها فعليها واجبات لا يمكن لها التخلي عنها، ولعل تعامل مصر مع قضايا الأمة العربية بشيء من الحكمة وبعيداً عن العنتريات الإعلامية عرضها لوابل من الانتقادات، وللأسف كانت تأتيها دوماً من الدول العربية التي تعاني من "الشيزوفرانيا"، ففي الوقت الذي كانت تتهم فيه مصر بأنها تقف خارج خندق المقاومة والممانعة، جاءت القمة العربية في ليبيا عام 2010، وفيها اقترح الرئيس الليبي تبني الخيار العسكري لحل المشكلة الفلسطينية، فجاء الرد سريعاً من الرئيس السوري "قائد حلف المقاومة والممانعة" بأن سوريا ترفض ذلك وترى فيه تهديداً للمصالح العربية.
يمكن لأي مواطن عربي أن يستشعر اليوم المعنى الحقيقي والدقيق للشقيقة الكبرى، العاصمة المصرية اليوم تعج بالعرب الذين جاؤوا إليها طلباً للأمن الذي غاب عنهم في أوطانهم، الوافدون إليها من ليبيا وسوريا ومن قبلهما العراق، لا نتحدث عن أفراد أو مجموعات بل عن تدفق بشري كبير، الغريب أن هؤلاء أموا مصر رغم معرفتهم المسبقة بأن ظروفها اليوم ليست على ما يرام، فهي تعاني من ظروف داخلية صعبة تنعكس على كافة مناحي الحياة، ورغم ذلك يتسع صدرها للوافدين إليها.
تعرفت إلى عراقي جاء إلى مصر بعد سقوط نظام صدام حسين، كان يدير محلاً صغيراً لصناعة الخبز العراقي، عرفت لاحقاً أنه كان صاحب منصب رفيع في السلك الدبلوماسي إبان حكم صدام حسين، ومن خلاله تعرفت على الفنان العراقي "البابلي" الذي جاء هو الآخر إلى مصر هرباً من الوضع المتأزم في العراق، ليواصل إبداعه الفني الذي حرم منه في وطنه، بطبيعة الحال التهمة التي تلاحق هؤلاء بأنهم من فلول النظام السابق، وأنهم من الحفنة الفاسدة التي نهبت ثروات البلاد كما يحلوا للأنظمة الجديدة وصف من سبقهم، لكن البديهي أن الدبلوماسي الكبير، الذي تحول لصاحب مخبز صغير لا يكاد دخله يوفر له الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية، يجد في القاهرة بظروفه الصعبة مأوى لم يوفره له وطنه.
الصورة الدراماتيكية الأخرى التي تعج بها شوارع القاهرة هي لمن جاؤوا إليها من سوريا، الآلاف ممن فقدوا الأمن والأمان في سوريا، وممن لحق بهم أذاً كبيراً من القتل والتدمير، رحلوا عن سوريا تاركين خلفهم إرثهم المادي والمعنوي، ولجئوا للشقيقة الكبرى ليجدوا في أحضانها دفئاً غاب عنهم في الوطن الذي أمضوا حياتهم في ربوعه وجبلوا دمائهم بعشقه.
كان الرئيس السوري بشار الأسد بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 قد هاجم في خطابه القيادات العربية وبالتحديد مصر والسعودية، ووصف قيادتها آنذاك بأنصاف الرجال، ذلك الكلام الغير مسئول تسبب في قطيعة في العلاقات السورية مع السعودية ومصر، وأضر كثيراً بالشعب السوري، تذكرت كلام الأسد عند مشاهدتي لشوارع القاهرة وهي تزدحم بالأسر السورية بنسائها وأطفالها، وانطلقت من الثقافة العربية في تحديد مفاهيم الرجولة، ترى من هم الرجال ومن هم أنصاف الرجال؟.
لا شك أن مصر تتوجع اليوم، ومعها تتألم الأمة العربية، والخوف لا يتعلق بمستقبل مصر بل بمستقبل الأمة العربية، ومن يعتقد أنه يمكن أن يحصن ذاته وينهض على أنقاض مصر أو بعيداً عنها فهو مخطئ، ولكن الحقيقة تكمن في قول الشاعر:
أنا إن قدر الإله مماتي ..... لن ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت