اللاعبون والمتفرجون
السنوات الأخيرة شهدت بعثرة أوراق المنطقة ليتم إعادة ترتيبها من جديد، هنالك دول تراجعت وأخرى تريد أن تحسن من مكانتها، فيما البعض الآخر يبحث له عن مكانة بين الكبار، العراق خسرت قدرتها العسكرية والاقتصادية وأنهكتها الصراعات الداخلية فانكفأت على مشاكلها الداخلية التي لا تلوح في الأفق نهاية لها، فيما السودان اكبر دولة عربية من حيث المساحة تخلت عن هذه المكانة لصالح الجزائر بفعل الانقسام بين الشمال والجنوب، سوريا قائدة حلف الممانعة غرقت في دمائها، وسواء سقط نظام الأسد أو بقي يصارع من أجل البقاء، فمن المؤكد أن سوريا لن تعود مرة أخرى إلى مكانتها السابقة، مصر صاحبة التاريخ القيادي للأمة العربية تعاني من صراعات سياسية داخلية تهدد مكانتها، ووضعها الاقتصادي الذي يزداد سوءاً سيثقل كاهلها، تونس لم تعد صاحبة الاقتصاد الأكثر نمواً في المنطقة وباتت تلهث وراء صندوق النقد لقرض تسد به رمقها.
في المقابل تسعى بعض الدول ليكون لها الصدارة والقيادة في المنطقة، أو على أقل تقدير أن تكون ضمن الكبار فيها الذين لا يمكن تجاوزهم عند الحديث عن إعادة رسم المنطقة من جديد، تركيا صاحبة الاقتصاد القوي "ثلاثة أضعاف اقتصاد مصر" عين لها على الاتحاد الأوروبي فيما الأخرى على منطقة الشرق الأوسط، تعي جيداً بأن حضورها القوي في المنطقة يفتح لها بوابات أوروبا، هي لا تصارح أحداً على مكانته ولكنها تمضي بخطوات منظمة لاستعادة مكانتها في المنطقة بنمط مغاير عن الخلافة، على مقربة منها إيران ما زالت تؤمن بفكرة تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول المحيطة، وتغدق من أجل ذلك المال والسلاح لمن قبل في المنطقة أن يدور في فلكها، وهي وإن رأت حليفتها ونقطة ارتكازها للتغلغل في المنطقة "سوريا" بدأت تتهاوى فهي تمكنت على مدار السنوات الأخيرة من التواجد بقوة في العراق، وما زالت تعتبر حزب الله رأس الحربة لها في المنطقة، وفي الوقت ذاته سجلت حضوراً متحركاً في منطقة الخليج العربي من خلال دعم الأقلية الشيعية فيها، يضاف إلى ذلك سعيها المكثف لامتلاك السلاح النووي، والذي إن امتلكته ستقطع شوطاً كبيراً يؤهلها لتعزيز نفوذها في المنطقة.
يمكن لنا القول أن أدوات تركيا لتسجيل حضورها القوي في المنطقة ترتكز على السياسة والاقتصاد، فيما أدوات إيران التي تستخدمها تعتمد على السلاح والمال، ميزانية إيران السنوية تزيد عن ضعف ميزانية السعودية.
فيما يتعلق بالدول العربية، الحضور في المستقبل المنظور سيقتصر على ثلاث دول، السعودية التي تريد أن تحافظ على دورها في المنطقة خاصة بعد أن فقدت حليفتها السياسي "مصر"، وهي ما زالت تحافظ على طريقتها التقليدية في العمل، مرتكزة على قوتها الاقتصادية ومعتمدة على قيادتها لمجلس دول التعاون الخليجي، اقتصادها يعادل اقتصاد تركيا، وتسجل فائضاً سنوياً كبيراً حيث ما زالت تعتمد سعر برميل النفط عند إعدادها لميزانيتها السنوية بواقع "65 دولاراً للبرميل"، فيما السعر الحقيقي له "110 دولاراً للبرميل"، والدولة العربية الثانية قطر، تلك الدولة الصغيرة صاحبة الاقتصاد القوي مقارنة بتعداد سكانها، حيث أن ميزانيتها السنوية تقترب من ميزانية مصر رغم أن عدد سكانها لا يزيد عن عدد سكان قطاع غزة، وبالتالي هي أقل من حي صغير من أحياء القاهرة، وقطر الغير قادرة على منازعة السعودية في قيادتها لدول مجلس التعاون الخليجي، ذهبت إلى خارج هذا الإطار تبحث لها عن دور، وتحولت بقدرة قادر إلى الدولة الأكثر نفوذاً في رسم خارطة المنطقة من جديد.
أما الدولة العربية الثالثة فهي الجزائر، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية تحولت من دولة بديون خارجية تزيد عن الخمسين مليار دولار لدولة صاحبة اقتصاد قوي، يزيد قليلاً عن ضعف اقتصاد مصر، وإن كانت على مدار السنوات السابقة خارج مركز الثقل العربي، فمن المؤكد أنها باتت تطمح في دور أكبر، وهذا ما تكشف مؤخراً حين حاولت أن تكون مرشح أفريقيا في العضوية الدائمة لمجلس الأمن في الوقت الذي جرى فيه الحديث عن إضافات في عضويته، وبالتالي يمكن لنا القول أن الدول العربية الثلاث تعتمد على الاقتصاد لتسجيل حضورها القيادي في المنطقة.
وبالتالي نحن أمام سيناريوهات مختلفة لدول تسعى لأن تكون لها الريادة في المنطقة، دون أن نغفل مصر التي لن تتنازل عن مكانتها التي حصنتها لها قدراتها التاريخية والحضارية والثقافية رغم ما تعانيه من ظروف اقتصادية صعبة، المؤكد أننا أمام رسم جديد لخارطة المنطقة فيها الكثير من المتغيرات، وكل يبحث له عن مكانة في المقدمة، فهم اللاعبون فيما الباقي اكتفى بمقعده بين المتفرجين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت