هناك اعتقاد خاطئ لدي البعض ممن يعتلوا الحكم في الحكومة الفلسطينية ان الموظف عالة على الحكومة وبالتالي فان الحكومة تدفع له راتب بلا فائدة وهذا اعتقاد تدميري له فعله اكثر من الصواريخ التي تحمل رؤوس نووية فبدون الموظف لما استطاعت السلطة ان تبنى مؤسسات الدولة الفلسطينية ,ولولا الموظف لكانت السلطة بلا هيكل اداري تنفيذي يمكن السلطة من الامتداد والعيش طويلا ,ويمكنها من تقديم الخدمات التي تكفل للمواطن الفلسطيني الحياة الكريمة الامنة المستقرة وتكفل للأجيال الفلسطينية الانخراط في كافة مؤسسات الدولة , ولولا الموظف الفلسطيني سواء كان معلم او مدير مدرسة او مشرف تربوي او مرشد تربوي او طبيب او ممرض او باحث اجتماعي او محاسب او أي موظف يتولى عمل يحتك فيه بالجماهير ما هو الا خادم للشعب وخادم الشعب هذا تعاقدت معه السلطة المشغلة أي الوزارة حتى سن الستين وبعدها فان القانون يحيله الى التعاقد وبالتالي تنتهى علاقته المهنية بالحكومة .
يبدو ان حكومة فياض تحاول حل ازمتها المالية على حساب اهم ضلع في المثلث الوطني وهذا الضلع هو الموظفين الذين تعتقد الحكومة انهم بلا فائدة وبالتالي يجب احالتهم الى التقاعد مبكرا بخلاف قانون التقاعد بالسلطة والذي اقر عند سن الستين لهذا فأن الحكومة لديها مقترح بإحالة عدد من الموظفين عند سن الخامسة والاربعين او الخمسين بحد ادنى الى التقاعد , ويعتقد من خلال احالة هؤلاء الناس المقترح عدد 13150 موظف مدنى وعسكري , يعتقد ان تحل الحكومة ازمتها المالية وتوفر الاموال التي تسدد بها ديونها الداخلية والخارجية و البالغة مجموعها اكثر من ثلاث مليارات دولار حسب الاحصائية الاخيرة , وهذا رقم لا يمكن تغطيته من قوت الموظفين الذين ينتظروا الترقية وعلاوة غلاء المعيشة شهرا بعد اخر ليتحسن دخلهم ويستطيعوا تغطية نفقات عوائلهم التي تحتاج بالفعل لأكثر من راتب ونصف وليس نصف راتب او حتى راتب تقاعدي .
ان فكرة الحكومة هذه تعتبر فكرة انتحار وفكرة تدمير ذاتي للمعامل التي تصنع الانسان الفلسطيني وتقوي الكادر المدني او حتى الكادر الشرطي في ظل حاجة الحكومة الى كل الخبرات التي ستحيلها للتقاعد لغرض اعداد وتدريب الموظفين من ناحية وبغرض تقديم خدمات ذات جودة عالية توفر في جودتها الكثير من الاموال على الدولة وتأتي للدولة بمواطن بأعلى المواصفات الوطنية والمهاراتية ,وهذا حساب لم يتم دراسته من قبل الحكومة عندما تفقد الخبرات التي اكتسبها الموظف بفقدان الموظف ذاته, ولو حسبنا الناتج من اداء الموظفين لوجدنا ان تحسن اداء الموظفين يبدا بالإثمار على نحو ممتاز بعد العقد الثاني من عمل الموظف وهذا حسب الدراسات التي اجريت على قطاعات مختلفة من الموظفين بمن فيهم المعلمين والعاملين في المجال التربوي , وعندما تلجأ الحكومة لإحالة ممن مكث في الوظيفة العمومية اكثر من خمسة عشرة او عشرون عاما في العمل فأنها بهذا تحتاج الى بديل والبديل بالطبع سيكون براتب اقل من راتب الموظف الذي احيل للتقاعد ,وبعملية حسابية بسيطة فأننا نجمع الراتب التقاعدي للموظف القديم والراتب الذي سيدفع للموظف الذي سيحل محل الموظف القديم نجد ان الحكومة ستدفع اكثر من راتبين بعد ان كانت تدفع راتب واحد قياسا مع متوسط رواتب الفئة المتوسطة وهذا انتحار حكومي.
لا اعرف ان كانت الحكومة ايضا اخذت بالحسبان واقع الموظف الاقتصادي والنفسي عند احالته الى التقاعد المبكر ام لا ,فالعديد من الموظفين الذين بلغت اعمارهم الخمسين فما فوق اصبح لديهم عائلة كبيرة وكبر العائلة هذا بأفرادها الذين يحتاجوا الى مصروفات كبيرة بسبب التحاقهم بالجامعات والتحاقهم بالمعاهد الدراسية وهم مازالوا تحت الوصاية الابوية ولم يدخلوا مرحلة الانتاج والاستقلال عن العائلة , وهذا سيحدث كارثة اجتماعية غير مسبوقة قد ينتج عنها ثورة مجتمعية لا يحمد عقباها , ولعل الجانب الاخر من الحقيقة الانسانية للموظف تعتبر كارثية على الصعيد النفسي الذي سينعكس سلبا على كل افراد الاسرة الفلسطينية و بالتالي يختل المجتمع الفلسطيني لاختلال الاسرة بالتالي يتفكك المثلث الوطني .
لهذه الاسباب نعتبر فكرة التقاعد المبكر فكرة انتحار حكومة وخاصة في الوقت الذي تتحول فيه السلطة الفلسطينية الى دولة وتحتاج كل الخبرات التي ستفقدها لبناء مؤسسات الدولة وبناء الانسان الفلسطيني الذي سيحمي تلك المؤسسات ويتقدم بها الى مستوي راق من الاداء الحكومي, وبالتالي بات محتما على الحكومة الغاء الفكرة كليا والبحث عن بدائل اقل خطورة و اقل تأثيرا على المواطن الفلسطيني واقل خطرا على المجتمع بأكمله , لان الافكار الخطرة يصعب تجريبها و تجريب التقاعد المبكر اخطر من أي بدائل تقنين نفقات او توحيد رواتب فئات من اصحاب الرواتب العليا بالدولة وتشجيع الاستثمار الوطني وتشجيع البنوك لخفض الفوائد الى النصف , الى جانب العديد من الاجراءات التي تبتعد في النهاية عن المساس بمقدرات الدولة من الخبرات والموارد البشرية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت