العالم والطبيب الألماني جيرهارد روث المختص في علم الأعصاب، اكتشف بعد سنوات من البحث العلمي بالتعاون مع الحكومة الألمانية أن هنالك مجموعة عصبية في المخ مسؤولة عن العنف والإجرام، وتظهر هذه المجموعة العصبية في صور الأشعة على شكل بقعة داكنة أطلق عليها مصطلح وكر الشيطان، هذا ما خلص إليه من دراسة شملت العديد من المجرمين وأصحاب السوابق في ألمانيا، وبالتالي قد يكون الإجرام والميل إلى العنف، طبقاً لهذا التوصيف، صفة وراثية وليست صفة مكتسبة من البيئة المحيطة بالإنسان، ويعلل الطبيب الألماني العدوانية والعنف لدى البعض بصعوبة الاتصال بين الأعصاب المسؤولة عن العواطف ومركز إصدار الأوامر والقرارات في المخ، فيما الأشخاص الذين يتمتعون بقدر كبير من الهدوء والمسالمة يتصفون بممرات ممهدة في المخ تنتقل عبرها الأحاسيس والمشاعر إلى مركز القرار بيسر، وهو ما يجنبه اتخاذ قرارات تتسم بالعنف تدفع صاحبها للولوج في عالم الجريمة.
بقدر الاهتمام بما توصل إليه خبير الأعصاب من علاقة بين تركيبة المخ العصبية وصفات العنف والإجرام لدى البعض، بقدر ما يطرح جملة من التساؤلات التراكمية، فهل يعني أن ما توصل إليه الطبيب قد يقود العلم مستقبلاً لمعالجة هذه البقعة الداكنة في المخ وبذلك تختفي الجريمة وينتهي العنف في العالم؟، ويصبح بمقدور العلم تحويل المجرم الذي جعل من العنف أبجديات حياته إلى إنسان وديع ينبض بالمشاعر الإنسانية وعواطف الحب الجياشة، وهل بمقدور العالم يومئذ تجسيد المدينة الفاضلة؟.
ما خلص إليه الطبيب روث يتعلق بالعنف والإجرام لدى الفرد، وماذا عن العنف والإجرام لدى الجماعة أو الدولة؟، بمعنى كيف يمكن لنا أن نفسر العنف والجرائم المتكررة التي تمارسها دولة الاحتلال؟، هل يوجد داخل مخ دولة الاحتلال مجموعة عصبية تشكل وكر الشيطان في المنطقة؟، وعلى اعتبار أن حكومات الاحتلال المتعاقبة تنقلت بين اليمين واليسار والوسط ورغم ذلك تقاطعت فيما بينها بالعنف والجريمة المتكاملة الأركان التي مارستها بحق الشعب الفلسطيني، فهل يعني ذلك أن وكر الشيطان ثابت فيما الجسد هو المتحرك بينها؟.
أعتقد أن وكر الشيطان في الإنسان كما هو الحال لدى الجماعة والدولة لا يكمن في التركيبة الفسيولوجية للجسم، بل يأتي نتاج لأفكار شيطانية تترسب على مكونات صنع القرار، فتسيطر عليه وتقوده باتجاه العنف وعالم الإجرام، والدليل على ذلك ما تشهده الدول العربية التي أطاحت بأنظمتها السابقة، حيث بات العنف هو السمة الطاغية عليها، رغم أن هذه الشعوب لم تعرف مسبقاً العنف والجريمة وكانت تنعم بقسط وافر من الهدوء والسكينة، الذي تغير لديها لا علاقة له ببنيتها المجتمعية، بقدر ما يتصل بجملة الأفكار المسمومة التي باتت الأوطان مشبعة بها، وعلاج العنف والإجرام لا يتعلق بعلاج عضوي، بل بعلاج فكري يجعل من تقبل الآخر قاعدة للعمل المشترك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت