في الرابع والعشرين من يناير تكون عشرسنوات قد مضت بالتمام والكمال على تاريخ أول حوار جامع لفصائل العمل الوطني خارج الأراضي الفلسطينية احتضنته العاصمة المصرية القاهره برعاية المرحوم الجنرال عمر سليمان وزير المخابرات المصرية الذي وصف اللقاء بأنه عيد للأمة العربية وللشعب الفلسطيني وكذلك للشعب المصري، كان الرجل ذو الإطلاع الواسع يحاول بذل كل جهد ممكن لأجل خلق أرضيةٍ للتوافق المشترك بين الفصائل الفلسطينية على قاعدة التهدئه المتبادلة لمدة عام مع جيش الإحتلال من بين أمور أخرى درءاً للمخاطر القادمة التي ستكون عواقبها وخيمة على القضية الفلسطينية ، حينها حذّر من إضاعة الوقت الثمين الأخذ بالنفاذ إن لم يتم استدراك خطورة الموقف الدولي لأن المنطقة مقبله على متغيرات واسعة النطاق في خارطة الشرق الأوسط نتيجة سعي الإدارة الأمريكية الحثيث الى الإنتقام واستعادة هيبتها المجروحة بعد احداث الأبراج في نيويورك ، ومع ذلك استمع المجتمعون بإصغاء لما قاله الجنرال دون أن تتزحزح رؤية الأطراف المختلفة قيد أنملة عن تمترسها وراء مواقفها الحزبية الضيقة الأفق ، ثم توالت اللقاءات حتى ظهر اتفاق القاهرة عام 2005 الذي استطاع إيجاد لغة مشتركة جرت بموجبه الإنتخابات البلدية على أساس القانون النسبي الكامل ، بينما جرت الإنتخابات التشريعية وفق نظام المناصفة بين الدوائر والقوائم تخلل هذه القوانين المتعددة عيوب لم تراعي طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي تحتاج قانون انتخابي عصري موحد على قاعدة التمثيل النسبي الكامل وفق ضوابط وطنية ملتزمة ببرناج منظمة التحرير الفلسطينية لما له من أهمية ضامنةً لتحشيد أوسع نطاق ممكن من القوى المحركة لإنجاز هذه المهمة الوطنية التحررية ، الأمر الذي أدى الى بروز النفوذ العشائري والعائلي بواجهات فصائلية على حساب الشرعية الثورية المكتسبة من ساحات النضال المختلفة ، كما كان لفوز حركة حماس تداعيات خطيرة لم تشهده الساحة الفلسطينية على مدى سنوات الصراع الطويل مازالت أثارها ماثلة إلى يومنا هذا.
كان يمكن تجنب مشقّة عناء ماراتون السفر الحواري الى القاهرة مجدداً طالما سيكتفي بأصدار بيان ختامي شبيه لأي اجتماع عادي، فضلاً عن ترشيد كلفة النفقات في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها خزينة السلطة الخاوية كما يقول ذوي الشأن، لو أن قيادات الأطرالفلسطينية المخضرمة ادركت أن تنفيذ اتفاق القاهرة، الدوحة للمصالحة الوطنية لم ينضج بعد ، وأغلب الظن أنها تدرك ذلك بوضوحٍ شديد، لكن العوامل الضاغطة التي فرضتها ظروف العدوان على قطاع غزة وما أنجزته السياسة الفلسطينية في الجمعيةالعامة للأمم المتحدة جعلت مختلف الأطراف تتناغم مع الرغبة العارمة للجمهورالفلسطيني التواق لطي صفحة الإنقسام الأسود، غير أن ما حدث على أرض الواقع لم يتجاوز معسول الكلام الذي يدغدغ عواطف الناس لأسباب بات القاصي والداني يعلمها ، لهذا لم يتمخض إجتماع الإطار القيادي الأخير عن نتائج حاسمة تبشّر بنهاية الوضع الشاذ عن تقاليد وتضحيات الشعب الفلسطيني الجسام وظلّت المواقف المختلفة على حالها بالرغم من إشاعة مناخ التفاؤل الذي يندرج في إطار التضليل المتعمّـد للشارع الفلسطيني عبر فلاشات إعلامية لاترضي سوى غرور أصحابها ، حيث أبدى الجمهور العريض تشاؤمه المسبق من الوصول لأي نتائج ذات أهمية تذكر وفق استطلاعات الرأي العام قبل انعقاد الجولة الأخيرة بل أضحت عملية المصالحة بّرمتها مجالا ًرحباً للتندّر والنكات المضحكة المبكية للواقع الفلسطيني المأزوم مما يزيد الهوّة الكبيرة للمصداقية المفقودة بين العامة والنخب السياسية التي تقدّم مصالحها الفئوية الضيقة على اعتبارات المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني المهددة بالضياع بين أوهام التسويات السياسية وبين مزايدات الشعارات اللفظية غير المجدية بينما ينعم الإحتلال بالهدوء والطمأنينة .
لقد أظهرت الحقائق مرة اخرى أن امكانية استعادة الوحدة الوطنية ومغادرة الإنقسام في إطار الشراكة بين اقطاب الصراع تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد غير ممكن على المدى المنظور بالنظر لارتباطها الوثيق بالعوامل الأقليمية والدولية والتحولات غير المستقرّة في المنطقة العربية على وجه التحديد ، هنالك ألف سبب وجيه يدفع الأطراف كلها باتجاه المصالحة الفورية يمكن لأي عاقل أن يكتشف المعادلة بسهولة متناهية لو توفرت الإرادة الحقيقية لتجاوز الخلافات السطحية التي تعرقل اتمام تنفيذ اتفاق المصالحة من أجل مواجهة التحديات الخطيرة التي تتعرض لها الأرض والمقدسات ، لوتمعّن قادة العمل الوطني بمغزى شريط الفيديو "بروفا" الذي أعدّه المتطرفون الصهاينة إذ يظهر زوال المسجد الأقصى ليحلّ مكانه الهيكل المزعوم ، مع أن الحفريات حول وتحت الأقصى تدقّ ناقوس الخطر بانهياره دون أن يحرك ذلك ساكناً لأحد، لو توقفوا أمام الأرقام الفلكية المعلن عنها رسميا لإقامة الوحدات الإستيطانية الإستعمارية اضافة الى مصادرة الأراضي وهدم البيوت وانفلات قطعان المستوطنين ضد الإنسان الفلسطيني وممتلكاته ، لوشعروا بمعاناة ألاف الأسرى الذين يتحدون جبروت الجلاد بأمعائهم الخاوية والظروف اللاإنسانية التي تفرضها عليهم سلطات الإحتلال ، لو تم البحث الجاد الكفيل بأنقاذ المخيمات الفلسطينية في الشتات من ويلات الدمار والقتل الذين أضحوا دروعاً بشرية لأجندات الأطراف المتصارعة ، لوأدركوا تفاقم الأزمة الإقتصادية الإجتماعية جراء الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني لتركيعه والتخلي عن ثوابته الوطنية بمشاركة أطراف عربية ، بعد كل ذلك هل يوجد مبررات حقيقية تستدعي التأجيل ؟ مع أن كل يوم يذهب سدى يكون بمثابة مكافأة مجانية للإحتلال .
إن الشعب الفلسطيني مطالب اليوم وفي اكثر من أي وقت مضى أن يقول كلمته الفصل وعدم السماح بالعبث بالمصير الفلسطيني بعد أن استنفذت كافة الفرص من أجل حماية المشروع الوطني ، عشر سنوات من الحوارات المتتالية برعاية عربية ومثلها داخلية كفيلة بأن تدخل موسوعة غينتس بلا منافس أسوة بالأرقام العالمية التي استحقت عن جدارة نيل هذا اللقب.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت