خيارات نتنياهو محدودة وتنطوي على صعوبةٍ بالغةٍ، لا سيما في ظل عدد مقاعد الليكود القليلة، واشتراطات ليبرمان ورغباته غير المعلنة في إغلاق باب الحكومة أمام حزب "يوجد مستقبل"، وفى الخلفية أيضاً زيارة أوباما الذى يضغط لاختراق الجمود السياسي، ومن جهة أخرى صقور الليكود وحزب "البيت اليهودي" الذين يرفضون تضمين كلمتي دولة فلسطينية في البرنامج السياسي حتى لو كان للخداع والتضليل. لكن الموضوع الأهم بالنسبة لنتنياهو هو كيفية إرضاء والجمع بين طرفي الانقسام الديني، الأصوليون من جهة وحزب "يوجد مستقبل" من جهة أخرى، الذين يشكلون جانبي متراس لأحد أوجه الانقسام بين الصهيونية والأصولية اللاصهيونية دينياً، ويتركز ويظهر الصراع في ما يعرف بالمساواة في العبء الأمني، هذا الانقسام هو انقسام قائم وعميق، لكن قادة الكيان منذ بن غوريون تعاملوا معه من منطلق سياسي، فالأهم بالنسبة لهم كان التطبيب الخارجي ومداراته وعدم الغوص فيه، خشية من تعميقه وخشية من تداعيات ذلك، حيث جرت العادة للتهرب من الحسم كما العديد من جوانب الانقسام والصراع الأخرى، لكن تراكمات هذه القضية يبدو أنها أصبحت أكبر من قدرة شريحة واسعة من المجتمع - يمثلهم لبيد - على احتمال تجاهلها.
لبيد وجه جديد لسماسرة الاحزاب
جرت محاولات عديدة في السابق لطرح الموضوع على الأجندة السياسية للدولة في عهد حزب "شينوى" بزعامة لبيد الأب، لكن سرعان ما تم احتوائها، معضلة نتنياهو تكمن مع حزب "يوجد مستقبل". إن انخراط الأصوليون في الخدمة العسكرية أو المدنية هي الوعد الأهم الذى قدمه الحزب لناخبيه، كما انه ينظر لأجندته نظرة تنطوي على التقديس، يتمسك بها تمسك الأيديولوجي بعقيدته، فلا مساومة ولا تنازلات حتى لو كان الثمن الجلوس في المعارضة، لبيد يحاول أن يقدم نفسة كنوع
مختلف من الزعماء، فالتمسك بالقناعات والمثل وعدم الاحتيال وخداع الناخب تمثل بالنسبة له - وهو الذى يطمح للمحافظة على قاعدته الانتخابية التي استطاع اقناعها بعزمه الحقيقي على التغيير- قضية مبدأ غير قابل للتآكل، ولكي تكون رسالته لنتنياهو وجمهور ناخبيه عن مدى تمسكه بقناعاته نشر في الأيام الأخيرة على موقعه في الفيس بوك قصيدة لروديارد كبلينغ كان قد ترجمها منذ سنوات يتلخص جوهرها في ثباته على مواقفه رغم كل ما يمكن أن يتهم به، ورغم كل محاولات التشهير والمس به، وحتى لو خالفه الجميع رأيه، محاولاً تقديم وجه براق لسماسرة السياسة في إسرائيل.
المساواة في الخدمة وجه آخر للانقسام
عمق الانقسام مع الأصولية اللاصهيونية التي يمثلها حزبي "شاس ويهدوت هتوراه" تحدث عنه الحاخام الصهيوني شاي بيرون وهو رقم 2 في حزب لبيد، بقولة إن الأزمة ليست في التفرغ لدراسة التوراة أو في سن التجنيد أو في عدد الذين يمكن أن يتم اعفاؤهم منه، بل في المرجعيات الخاصة بالأصوليين، حيث انهم يرون أن الله هو مرجعهم عبر الحاخامات وكتب التناخ، وليست مرجعيتهم الدولة وقوانينها ومؤسساتها، الدولة التي لا يؤمنون بها ولا يظهرون أي ولاء لها، فالخلاف حول قضية الخدمة هو أحد مظاهر الصراع، ويقول أن تهربهم من الخدمة ليس له علاقة بالتدين، ويبرهن على ذلك بالقول ان نبي الله داود كان محارباً، وكبار مفسري العهد القديم كانوا يعملون، ويرجع سبب تهربهم من الخدمة والانخراط في سوق العمل بعدم الولاء للدولة وباتخاذهم مرجعيات خاصة بهم يضعونها فوق كل الدولة والقانون.
نتنياهو يفقد سحره
نتنياهو المحتال الذى عرف دوماً كيف يستغل الآخرين، ويمارس عليهم دور الساحر الذى يرضيهم ويقدم لهم كل ما يريدون، حتى لو كانت وعوده تتناقض مع بعضها - دولتان لشعبان واستمرار الاستيطان والحرب والسلام ومحاربة الفقر والتقليصات الاجتماعية - لأنه كان يعتمد على قوة حزبه وعلى رغبتهم بتصديقه رغم معرفتهم لزيف وعوده، لكن نتنياهو يبدو كساحر فرغ طربوشه من أية حيل وألاعيب، فهو الذى يريد كل شيء، ويتملص من دفع الوعود، يصطدم اليوم بمخرجات انتخابية تزيل الرماد عن انقسامات تم تغطيتها طويلاً، ومخرجات تمثلها أحزاب تحاول أن تبتعد عما درج عليه سابقاً سماسرة الأحزاب. مما يجعل مهمته تنطوي على الكثير من الصعاب، ستضطره للعرق كثيراً والاستعانة بكل خبراء الحيل والألاعيب ليستطيع الجمع بين المتناقضات، فضلاً عن صعوباته داخل
حزبه نتيجة صراعات قراصنة الحزب على الوظائف الوزارية المحدودة للحزب التي قد يترتب عليها تعسكر وانقسامات ليكودية وتحديات تهز زعامته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت