الطامعين في الوطن العربي...

بقلم: محمد ناصر نصار


تتكالب كل القوى العالمية على منطقة الوطن العربي ، لموقعه الإستراتيجي وأهميته الجغرافية والتاريخية واللوجستية ، وليس هذا الصراع على السيطرة على الوطن العربي يأتي صدفةً بل طمعاً في خيراته والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية ومنابعه النفطية وموارده الإقتصادية بشكل عام ، وقديماً قال أجدادنا بلغتهم البسيطة ما يأتينا من الغرب لا يسر القلب .

إن تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا الإتحادية وغيرهم من الأنظمة في المنطقة ليس حباً أو دفاعاً عن العرب أو المسلمين وإنما ناتج عن أهداف إستراتيجية عميقة وخاصة لدى هذين القطبين ، فنظرة روسيا الإتحادية للمنطقة ظهرت جلياً في احداث سوريا على مدار السنتين السابقتين وتقاطعت مع الصين وإيران في نفس الهدف ، وكان تدخل الإتحاد السوفيتي في الماضي بقيادة خورتشوف يسعى لوضع قدمه في المنطقة ، وتتجه أنظار روسيا اليوم للمنطقة من خلال المصالح في المنطقة و تقوية نفوذها كما وتسعى روسيا للحصول على عمق إستراتيجي في المنطقة وخاصة في سوريا لأنه يدعي بعض الخبراء أن روسيا وضعت إسطولها وقواعد عسكرية منها حاملة الطائرات أدميرال كوزنيتسوف، ترافقها سفينتان حربيتان في ميناء طرطوس السوري الذي لا يبعد عن ميناء حيفا الإسرائيلي 150 ميلاً بحريا ، فالإسطول الروسي يراقب في المنطقة وكذلك الأمريكان يراقبون الإسطول الروسي فميناء حيفا كان في الحربين العالميتين تابعاً للإسطول البريطاني فيعتبر موقعاً إستراتيجا في منطقة حوض البحر المتوسط ، كذلك الأمر لايقتصر الأمر على البحر بل يتعدى ذلك على اليابسة حيث أن تركيا على الحدود الروسية يوجد فيها قواعد أمريكية لمراقبة روسيا الإتحادية ،فلذا على روسيا أن تلتف بعمق إستراتيجي تقفز عن تركيا بإتجاه سوريا عدو تركيا اللدود لتراقب عن كثب ما يحدث في المنطقة وما يصطلح عليه الشرق القريب ، كما وأنها تريد ان تحد من قضية الدرع الصاروخي لحلف الأطلسي وضمان بسط نفوذها بالأحلاف الجديدة غير الأحلاف السابقة في منطقة أوربا الشرقية لأنها كلفتها ثمناً إقتصاديا باهظاً واليوم هذه الأحلاف لا تكلفها ثمناُ إقتصادياً حقيقياً لأن مكاسبها تفوق خسائرها ، إن إستراتيجية روسيا تظهر في الأحداث السورية رغم أنها لم تتدخل في ليبيا وذلك بسبب وجود عقود تسلح بقيمة أربعة مليارات وقيمة الاستثمارات الروسية في البنية التحتية والطاقة والسياحة السورية بلغت 19.4 مليار دولار عام 2009وعلى الرغم من عدم تفوق القطع البحرية الروسية على نظيراتها الأمريكية أو التابعة لحلف الناتو لكن المخاوف الروسية الحقيقية جيوإستراتيجية إذ تخشى من إنهيار النظام السوري من انتقال هذه العدوى إلى مقاطعات روسيا نفسها في داغستان ومناطق القوقاز الشمالية.
وبالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو يسيطر على ثلثي الوطن العربي بنفوذهم وقواعدهم المعلنة والسرية فيسيطرون على موارده البحرية والنفطية ، هذا ولضمان الهيمنة الأمريكية وضمان تدفق النفط وسهولة عبور السفن التجارية والحربية من الممرات البحرية في المنطقة ، وبالنسبة للولايات فإن إسرائيل يدها في المنطقة طبقاً لمبدأ نيكسون 1970 والذي يتضمن أن أمريكا حين تقرر أن تحارب فستحارب بأموالها مدخرةً أرواح مواطنيها، أى أنها لا تقاتل وإنما تهيئ أصدقائها وحلفائها لكى يقاتلوا هم بأنفسهم، ونيابة عنهم ولذا فإن إسرائيل تعتبر اليد الضاربة للولايات المتحدة في المنطقة ، وقدح الشرارة كما حصل في العدوان الثلاثي في العام 1956 ضد مصر والتي كانت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بادرت للهجوم على مصر بحجة تأميم عبد الناصر قناة السويس ،وكان سبب فشل هذا العدوان صمود مصر وتدخل الإتحاد السوفيتي ، كما أدعت الولايات المتحدة أنه لا علم لها ولم تشاورها الدول الثلاث المعتدية ، واليوم يتكرر هذا السيناريو خاصة في الأحداث السورية فالولايات المتحدة تعتبر نفسها سيدة العالم الحر ، وروسيا الإتحادية تعتبر نفسها حليفة الشرعيات في المنطقة وإن تدخل كلا القطبين في المنطقة يؤكد نواياهم في تجسيد المصالح الإستراتيجية وتقسيم المنطقة والدول إلى دويلات تستفرد كل منهم فيه خيراته ، فلذا إن إسرائيل هي أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة لفصل أفريقيا عن آسيا وتنفيذ السياسات الأمريكية في المنطقة .

إيران كذلك الأمر تسعى لإحياء مجدها الإمبراطوري الفارسي قبل آلاف السنوات في المنطقة بشتى الوسائل فتدعم بعض الحركات وتقف بجوار بعض الأنظمة ، وكذلك تسعى لنشر التشيع في المنطقة كهدف ثاني لمخططها القاضي بالسيطرة على المنطقة إلا ان الولايات المتحدة إتخذت إيران كمحور للشر في المنطقة وإتخاذها ذريعة للسيطرة على منطقة الخليج العربي بإعتبار الولايات المتحدة شرطة العالم ، فإيران لا تهتم كيرا في إحياء النظام الإسلامي بقدر ما تريد إحياء القومية الفارسية في المنطقة فعندما نجحت الثورة الإيرانية قام الإمام الخوميني برفض التحدث فيإحدى مقابلاته الصحفية باللغة العربية أو الفرنسية رغم إجادته لهما وفضل التكلم باللغة الفارسية وهذا يدلل على البعد القومي لفكره، كما وأقرب مثال هو مؤتمر اليوم الوطني للخليج (الفارسي) لدى إيران الذي عقد في جزيرة أبو موسى، لتأكيد ثوابت الولاية المقدس وإصرار إيران على فرض سياسة التفريس في المنطقة ، و إستراتيجية إيران للسيطرة على المنطقة العربية بدأت بالاختراق الاستخباري في المنطقة العربية والتدخل خاصة في العراق، تلتها السيطرة على يعض المناطق العربية منها الأحواز والجزر العربية الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى التابعتين للإمارات وجزيرة أبو موسى الغنية كشقيقاتها بالحديد والنفط، وأهمية هذه الجزر ليست بمساحتها ولا بعدد سكانها وإنما بموقعها الاستراتيجي عند مضيق هرمز والسواحل الحدودية ، وابتلاع النفط فإن حجم ما تستنزفه إيران من النفط العراقي بلغ حوالي الـ130 ألف برميل يومياً من أربعة حقول ، و تقوم إيران بإقامة السدود لتجفيف الأنهار وسرقة المياه العراقية .

على كل حال المنطقة أصبحت ميداناً للطامعين من القوى والتحالفات العالمية للسيطرة على خيراتها وضمان مصالحها في المنطقة ، ليس حباً أو دفاعأً عن الأمة العربية أو الإسلامية وذلك يجسد بالمقولة امننا مضطرب ونسلنا محترق طبعا نحن العرب ، فلا يهم الغزاة والمناديين بالديموقراطييات أمرنا بل يهمهم مصالحهم ،فعلينا كعرب ان نبحث لأنفسنا عن حاضنة سياسية وإقتصادية وعسكرية ورسم إستراتيجية لحماية الأمة من أخطار الطامعين والعابثين في أمنا وخيراتنا وأرضنا .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت