اسوار اريحا

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
أسوار أريحا
"إسرائيل أحاطت نفسها بأسوار أريحا ويجب أن نهدم هذه الأسوار لإنقاذها، ويجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإقامة الدولة الفلسطينية دون تباطؤ"، هذا ما قاله الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، في معرض هجومه على سياسة حكومة نتانياهو بشأن عملية السلام والاستيطان، أمام مجموعة من الأثرياء اليهود المؤيدين والداعمين مادياً لدولة إسرائيل في جنيف قبل أيام، وساركوزي الصديق المقرب لإسرائيل اعتبر أن سياسة حكومة نتانياهو تعمل على عزل إسرائيل دولياً، واستعان بالتشبيه بأسوار مدينة أريحا، حيث جاء في سفر يشوع أن يوشع بن نون ومعه بني إسرائيل بعد مغادرتهم مصر عبروا نهر الأردن، وكانت مدينة أريحا محاطة بأسوار عالية، فأمرهم ومعهم الكهنة أن يطوقوا المدينة لستة أيام وفي اليوم السابع أمر الكهنة بالنفخ في القرون وصاح المحاربون فتهاوت أسوار أريحا من الصيحة، ودخلوها وقتلوا من فيها باستثناء الزانية التي آوت الجاسوسين الذين أرسلهما سابقاً النبي يوشع إلى أريحا، والحديث النبوي يشير إلى أن اليوم السابع صادف يوم الجمعة، وعندما خشي النبي يوشع أن يحل عليهم السبت قبل أن يدخلوا أريحا خاطب الشمس قائلاً "أنت مأمورة وأنا مأمور" وطلب من ربه أن يبقيها في مكانها حتى يفرغ من دخولها وكان له ذلك.

ما أراد أن يقوله ساركوزي أن على إسرائيل أن تنهي عزلتها الدولية، وعلى المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإجبارها على تغيير سياستها التي قادتها لهذه العزلة، وعلى المجتمع الدولي أن يرفع صوته المطالب بذلك، وصديق إسرائيل "ساركوزي" لا يرى في ذلك عداءاً لإسرائيل بل خدمة لها لإنهاء عزلتها الدولية، وسبق للرئيس الفرنسي ساركوزي أثناء وجوده في قصر الأليزيه أن وصف نتانياهو بالكاذب والمراوغ في معرض حديثه حول سياسة نتانياهو التي تضر بإسرائيل.

الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" قبل أيام من موعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة قال أن نتانياهو سياسي جبان ولا يعرف مصلحة إسرائيل، ومؤكد أن هذا التصريح كان له انعكاساته الواضحة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وفي السياق ذاته أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى أن نتانياهو، بعد مضي أربعة أيام على الانتخابات الإسرائيلية وحصول ائتلاف الليكود_ بيتنا بزعامته على 31 مقعداً في الكنيست، لم يتلق اتصالاً واحداً من رئيس دولة يهنئه بالفوز، وبالتأكيد أن التراجع الذي مني به حزب الليكود لا يبرر ذلك، بل سياسة نتانياهو المرفوضة دولياً تقف وراء ذلك، ولبيد الذي أحدث مفاجأة مدوية في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وضع شرطاً للتحالف مع نتانياهو بالعودة للمفاوضات مع الفلسطينيين.
ما نود أن نخلص إليه أن حكومة الاحتلال تعاني من عزلة دولية قد تكون الأشد منذ نشأتها، وأن سياسة نتانياهو المتعلقة بالسلام والاستيطان باتت تستفز الجميع، ومؤكد أن السياسة الفلسطينية وضعت إسرائيل في هذه المكانة، وبالتالي من الضروري الثبات عند الموقف الفلسطيني المتمثل في عدم العودة للمفاوضات إلا بإيجاد مرجعية دولية لها ضمن جدول زمني واضح وتجميد الاستيطان، صحيح أن إسرائيل تستخدم عنصر الزمن لخلق وقائع جديدة على الأرض من خلال التوسع الاستيطاني الذي يتم ضمن منهجية واضحة الهدف منها القضاء على حل الدولتين، ولكن في مواجهة ذلك نحن بحاجة أولاً لإنهاء الانقسام سريعاً وتشكيل الحكومة الفلسطينية، وثانياً علينا ترجمة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعترف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، وذلك من خلال ملاحقة حكومة الاحتلال سياسياً وقانونياً في المنظمات الدولية وأولها محكمة الجنايات الدولية، إن العودة للمفاوضات دون إلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان وتحديد مرجعية دولية للمفاوضات يشكل طوق نجاة لحكومة الاحتلال يخرجها من عزلتها الدولية، وتهدم به أسوار أريحا التي أحاطت نفسها بها طبقاً لوصف ساركوزي، وهذا ما تبحث عنه حكومة الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت