تعكس المواجهة الديبلوماسية الحالية بين الدولة العبرية والاتحاد الأوروبي على خلفية قرار الحكومة الإسرائيلية التعجيل في البناء الإستيطاني والتهويد في المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم، وان استعداد الكيان الصهيوني لمعاداة أوروبا والعالم أجمع دفاعاً عن الاستيطان يكشف حقيقة وجوهروتوجهات أحزاب اليمين الإسرائيلي التي خاضت انتخابات الكنيست الصهيوني الـ19 وحققت فوزا وغالبية غير مريحة ، وقد بات واضحا أن حزب "الليكود" اليمني عبر تحالفه مع الحزب العنصري اليميني المتطرف ( اسرائيل بيتنا ) ، وتشيكلهما قائمة انتخابية موحدة حملت اسم ( الليكود بيتنا ) سيعود الى الحكم ليس كحزب يمين الوسط ، وإنما كحزب صهيوني يميني قومي عنصري متطرف ، لا يقل تشدداً وتطرفاً عن الأحزاب اليمينية والدينية الرافضة لأي انسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية المحتلة ،ومن شرق القدس والبلدة القديمة ، وكذلك الرافضة لحل الدولتين ، ولأية تسوية عادلة ومقبولة للقضية الفلسطينية ، وهذايعني أن الفلسطينيين مقبلون على مرحلة جديدة من السياسات الإسرائيلية العنصرية المنهجية والمعادية لهم ولقضيتهم العادلة ، وتوسيع الاستيطان اليهودي وتسجيل حقائق جديدة على الأرض تمنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة ، وسوف تقود هذه السياسة الصهيونية العنصرية والاعتداءات المنهجية ضد الفلسطينيين ، وضد حقوقهم التاريخية الثابتة ، وضد أرضهم المباركة ومقدساتهم الاسلامية والمسيحية الى عودة العنف والمواجهات والصدامات بمستوياتها المختلفة ، بدءا بالتظاهرات والمواجهات الشعبية وانتهاء بالعمليات الفدائية والجهادية المسلحة ، وواقع الحال يقول أن القدس والضفة الغربية المحتلة تقف على فوهة برميل من البارود المتفجر ، القابل للاشتعال والانفجار في أية لحظة ، وبالتالي دخول الفلسطينيين بالضفة والقطاع الى انتفاضة فلسطينية ثالثة ، ستكون أشد قوة وعنفا وثورية وصلابة وتضحبات من الانتفاضة الفلسطينية الثانية ، وخصوصا أن الدولة العبرية بقيادة الثنائي البغيض ( نتنياهو - ليبرمان ) تسعى للقضاء على أي أمل في عودة المفاوضات مع الفلسطينيين، وتبذل قصارى جهدها كي تنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتضييق على الزعامة السياسية والقيادات الفلسطينية ، وتعمل على استمرار شعارها الخادع والماكر (لا وجود لشريك فلسطيني) ليبقى هو السائد، وستبقى المفاوضات معطلة، وستستمرفي بناء المزيد من الاحياء الإستيطانية والتهويد خارج الخط الأخضر، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، ،وستجعل الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية شبه ميؤوس منها ،دون ان يؤدي ذلك الى انهيار السلطة الفلسطينية انهياراً كاملاً ، فما يريده الثنائي العنصري المقيت ( نتنياهو - ليبرمان ) هو تلقين الرئيس الفلسطيني ابو مازن درساً قاسياً بسبب تفرده بالتوجه الى الأمم المتحدة، وجعله يدفع الثمن سياسياً وأمنياً واقتصادياً وماليا ، ورغم ان العالم كله حول الدولة العبرية يتغير، لكنها تزداد تقوقعا على نفسها كدولة احتلال عنصري تتشكل من الأقلية اليهودية في مواجهة (تسونامي الاسلام السياسي وثورات الربيع العربي )، وكلما ازداد خوف هذا الكيان الاحتلالي الانعزالي مما حوله ، ازداد تطرفه وتشدده وتعنته ضد الفلسطينيين ، رغم أنه هناك أكثر من طرف إسرائيلي واقليمي ودولي ، ينصح نتنياهو بطرح رؤية سياسية لحل الصراع مع الفلسطينيين بدلا حل الدولتين ، ولكن نتينياهو الذي كان يسعى الى أن يتوج في الانتخابات الماضية بصفته الرئيس ( والملك الاوحد !! ) لإسرائيل، لا يريد اثارة غضب المستوطنين واليمين الصهيوني ، وببساطة شديدة فإن عودة اليمين الإسرائيلي الى الحكم يعني نهاية الآمال في معاودة المفاوضات، وبداية انتفاضة فلسطينية ثالثة.
والتحدي الأكبر أمام الفلسطينيين أنفسهم لمواجهة اعتداءات وتهديدات وسياسات العدو الاستيطانية التهويدية العنصرية ، يتمثل في ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وانهاء الانقسام الفلسطيني المؤسف الذي يساهم في اضعاف الفلسطينيين ، وتراجع التعاطف الاسلامي والعربي والاقليمي والدولي مع قضيتهم العادلة ، ويتوجب على حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية وعموم الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي أن يدركوا جميعا حجم المخاطر الحقيقية التي باتت تهدد مستقبل وجودهم فوق تراب أرضهم المباركة ، فلابد من التجاوب الجدي مع الجهود الحثيثة التي تبذلها الشقيقة الكبرى مصر لرأب الصدع في الساحة الفلسطينية ، وتحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة وتشكيل حكومة توافق وطني ، لتشكل هذه الحكومة المأمولة الرافعة السياسية المناسبة للشعب الفلسطيني ، ليواجه موحدا ، وراء قيادة سياسية واحدة وموحدة ، مخططات اليمين الصهيوني المتطرف لانهاء قضيتهم العادلة ، ومحو وجودهم التاريخي فوق أرضهم التاريخية المباركة ، فالفلسطينيون أمام مفترق طرق صعب وعليهم الاختيار : اما الوحدة ، واما ذوبان وتصفية قضيتهم وضياع حقوقهم وأرضهم ومقدساتهم ...
د .محمد أبو سمره
رئيس مركز القدس للدراسات والاعلام والنشر ( القدس نيوز )
خبيرإستراتيجي ، ومؤرخ فلسطيني / عربي
غزة ــ فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت