قضية أنس عواد نموذجاً
بداية القصة
بداية القصة تعود للعام 2011 عندما قامت قوة تابعة لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية باعتقال الشاب أنس عواد من سكان قرية عورتا قضاء محافظة نابلس على خلفية قيام المذكور بنشر بعض التعليقات في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي ( الفيسبوك) جهاز المخابرات العامة قام بهذه المهمة مستنداً إلى الصلاحيات المخولة له بموجب أحكام القرار بقانون رقم (17/2005) وقد أحال المذكور طرف النيابة العامة والتي قامت بدورها بتحريك دعوى الحق العام ضد المذكور وإحالته إلى محكمة صلح نابلس صاحبة الصلاحية والاختصاص في نظر الدعوى الجزائية مع لائحة اتهام تضمنت عدة تهم منها إطالة اللسان و إثارة النعرات وبعد شهر من التوقيف أخلي سبيل المذكور بالكفالة، وبدأت إجراءات المحاكمة وتعاقبت جلساتها دون حضور انس عواد المتهم في القضية وصولاً إلى يوم 5/2/2013 حيث صدر حكم المحكمة بإعلان براءة المتهم من جميع التهم المسندة له عدا تهمة إطالة اللسان حيث تم إدانته بها وتبعاً لذلك قررت المحكمة حبس المذكور لمدة عام وقد جاء الحكم معللاً بأن الفعل المنسوب للمتهم لا يشكل جرم إثارة النعرات بين الطوائف، إلا انه يشكل جرم إطالة اللسان المنصوص عليه في المادة (195) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 والنافذ في الضفة الغربية ( يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من:أ- ثبتت جرأته بإطالة اللسان على جلالة الملك ب- أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى جلالة الملك أو قام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة جلالته أو يفيد بذلك وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال) وحيث أن المتهم كان قد أعترف بمجاسرته الفعل المنسوب إليه في التحقيق الأولي وحيث أن الضابط الذي أخذ أقوال المتهم في مرحلة التحقيق قد شهد تحت القسم أمام المحكمة أن هذه الأقوال أخذت من المتهم بطواعية ودون أي أكراه وحيث ان المتهم لم يقدم أي بينة تجرح البينة التي قدمتها النيابة العامة فإن المحكمة قررت إدانته بهذه التهمه وحكمت عليه بالحد الأدنى للعقوبة.
ردود الفعل على حكم المحكمة
يمكن تقسيم ردود الفعل على قرار محكمة صلح نابلس كما يلي :
1) وسائل الإعلام: وسائل الإعلام المحلية والتي لا يوجد لديها هوية حزبية واضحة مثل وكالة ( معاً) عرضت الخبر بصياغة تدلل على أن الحكم مبالغ فيه مقابل الفعل المرتكب حيث يمكن تصنيف خبر هذه الوسائل الإعلامية تحت بند ( عجائب وغرائب) وليس تحت بند أخبار المحاكم كما جرت العادة ، في حين التقط وسائل الإعلام المناهضة للسلطة الفلسطينية الخبر ونشرته كأنه مظلمة واصفة المحكمة أنها ( محكمة أمن السلطة)!! ، علماً أن بعض الكتاب على مواقع التواصل الاجتماعية وصفو القانون الفلسطيني بقانون سكسونيا بإشارة إلى الظلم .
2) خليل عساف " رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية " استهجن الحكم ووصفه بأنه يعطل المجهود المبذول في سبيل تذليل العقبات التي تعترض وأبدى استغرابه بوجود نص يجرم إطالة اللسان!
3) المستشار حسن العوري " مستشار الرئيس للشؤون القانونية" : بدوره حاول المستشار تلطيف الأجواء من خلال التأكيد على أن الحكم في حال أصبح قطعياً سوف يقوم الرئيس بممارسة صلاحياته وإصدار عفو خاص عن المتهم.
4) المتهم في القضية " انس عواد" : وعبر تسجيل مصور نشره على موقع اليوتيوب أكد المتهم أنه تعرض للظلم وان القانون جائر مع بعض الغمز بأن المحكمة ظالمة وأكد أخيرا انه لا يقبل العفو كونه ليس مذنباً. وذلك عدا عن كونه تحدث عن حرية الرأي المصادرة من قبل أجهزة الأمن في الضفة الغربية حسب تعبيره.
الجهل بأحكام القانون أدى للمساس بهيبة القضاء
أن القانون الفلسطيني كفل حرية الرأي والتعبير وجعلها حرية مصانة بموجب أحكام القانون الأساسي، وجعل الاعتداء عليها جريمة لا تسقط بمرور الزمن كما أن القانون نفسه جرم الاعتقال السياسي ومنع التميز بين أفراد المجتمع على أساس الدين أو اللون أو حرية الرأي أو الانتماء السياسي.. وما إلى ذلك، لكن للحرية حد لا يمكن لها أن تتجاوزه وهو ما عبر عنه القانون الأساسي في المادة (19) منه والتي تنص على أنه " لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون" ويتضح من الوقائع المذكورة انفاً ان المتهم بالقضية لم يراعِ أحكام القانون عندما آتى الفعل المسند إليه خلافاً لأحكام المادة (195) من قانون العقوبات النافذ.
كذلك لم تراعِ وسائل الإعلام مسألة في غاية الخطورة وهي " هيبة القضاء" عندما قامت بعرض خبر إصدار الحكم على المتهم وجرحت بعضها بالمحكمة وشككت بعدالتها، كما ان رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة جانبه الصواب عندما أبدى استغرابه من وجود عقوبة على الجرم المنسوب للمتهم إذ أن المبدأ قانوني راسخ ينص على أنه " لا يجوز التذرع بالجهل بأحكام القانون" ، كذلك أن القول بأن الحكم يعطل المصالحة فيه مساس كبير بهيبة القضاء.
كما أن هيبة القضاء لم تسلم من أقوال مستشار الرئيس للشؤون القانونية الذي تبرع بالتعهد بإصدار عفو خاص عن المتهم من قبل الرئيس قبل أن يصبح الحكم قطعياً فاسحاً المجال أمام المتهم لعدم سلوك طريق الاستئناف التي رسمها المشرع، كما أن الغاية التي وضع من أجلها النص على العفو الخاص تتنافى وعملية التبرع وتوزيع العفو على شكل مكرمات بالطريقة التي عرضها سعادة المستشار وان الجرم الذي اقترفه المتهم ( بحسب القواعد العامة للقانون) لا يمس شخص الرئيس إنما يمس حق المجتمع ( الحق العام).
ختاماً، يجب على وسائل الإعلام والمسؤولين السياسيين أن يراعوا في تصريحاتهم وأقوالهم وكتاباتهم حساسية مسألة هيبة القضاء، وأن لا يصدر عنهم ما يؤدي إلى المس بهيبة السلطة القضائية وان يؤثر على حياديتها واستقلالها، إذ أن قوة القضاء في أي مجتمع مؤشر على الحضارة والاستقرار، وبدون قضاء قوي حيادي مستقل ذو هيبة يفرضها على أفراد المجتمع لا تستقيم حياة هذا المجتمع.
• حسام حطاب / محام وناشط حقوقي مقيم في مدينة طولكرم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت