سؤال بريء يتداوله الفلسطينيون المعنيون بتحقيق المصالحة والمجروحون من استمرار الانقسام والذين يشعرون بالخجل من أنفسهم وهم يراقبون الحال الفلسطيني ، لماذا هذا التباطؤ الغير مبرر في تنفيذ خطوات تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية ؟ .
مصطلح " المصالحة " قد يكون غير دقيق في شرح ما هو مطلوب من طرفي الانقسام لأنهم على المستوى الفيادي " متصالحون مع أنفسهم ومع بعضهم البعض " ولا تكاد تلمس أي نوع من القلق أو الخجل الذي يشعر به المواطن الفلسطيني المراقب لجولات الحوار المتواصلة ، ولكن الأصلح هو تحقيق التوافق الوطني حول المباديء العامة الكفيلة بإعادة الحكم على مؤسسات السلطة " الدولة " للشعب الفلسطيني الذي منح هذه القيادات الشرعية وهو الوحيد صاحب الحق في انتزاعها من أي قائد أو مؤسسة ومنح ثقته لمن يراه مناسبا لها .
لماذا لا يتحقق هذا التوافق الوطني حول الحقوق الوطنية للمواطن الفلسطيني ؟ لماذا هذا الاستخفاف بحق المواطن لهذا الحد ؟ هل التباطؤ من أجل حسابات داخلية لكل طرف من طرفي الانقسام ؟ لماذا ربط كل المسارات المؤدية لتحقيق التوافق مع بعضها البعض جملة واحدة وكأننا نعيش في واحة مستقرة ونملك كل أطراف خيوط اللعبة السياسية الداخلية بين أيدينا ؟ لماذا ربط تشكيل الحكومة مع إجراء الانتخابات التشريعية وانتخابات المجلس الوطني وانتخابات الرئاسة هل يمكن تحقيق ذلك في وضعنا الراهن ؟ هناك دول مستقرة ولا تعاني من أي إشكاليات لا يمكنها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في وقت واحد بل تترك للمواطن فرصة للتفكير والاختيار أو تقييم صحة اختياره في كل انتخابات تجريها ، فلعل المواطن الذي أدلى بصوته لهذا الحزب في انتخابات البرلمان يغير رأيه في هذا الحزب بعد حكمه على أدائه فلا يعطي صوته لذات الحزب في الانتخابات الرئاسية على سبيل المثال ، هذا يحدث في دول مستقرة فما بالكم في وضع كله مشاكل معقدة مثل الوضع الفلسطيني ؟
إذا كان التفاق على أن يكون الرئيس محمود عباس هو رئيس الحكومة الانتقالية صعب تنفيذه بسبب اشتراط الرئيس أن لا يكون على رأس الحكومة أكثر من ثلاثة أشهر فلماذا التوقف عند هذه النقطة كل هذا الوقت والكل يجهد نفسه في إقناع الرئيس بالتحمل أكثر من طاقته ؟ هل هذا سبب مقبول عند أي عاقل لتأجيل أو إبطاء تحقيق التوافق الوطني بسبب موقف الرئيس في جزئية من جزئيات الرئيس ؟ وهل عقم الشعب الفلسطيني في التوافق على شخصية ذات كفاءة لإدارة شئون الحكومة الرشيدة الانتقالية الى هذا الحد ؟ .
أم أن هذا التباطؤ مرتبط بتحركات خارجية لعل أبرزها إعلان الرئيس الأمريكي أوباما عن نيته لزيارة المنطقة خلال الشهر القادم – مارس – وبالتالي يجب على الجميع أن ينتظر نتائج هذه الزيارة وما يحمله للمنطقة من أفكار . و‘ذا صدق هذا الاحتمال فهل هذا سبب لتأجيل التوافق الوطني أم سبب للإسراع في تحقيقه ؟ لأنه لا يمكن التقدم بالتعاطي مع أي طرح قد يطرحه الرئيس الأمريكي بالسلب أو الإيجاب دون توافق وطني حوله ، وهل يستطيع الرئيس التقدم باتجاه أي قرار سياسي دون أن يتسلح بالتوافق الوطني خلفه حتى لا تعود الأمور الى مرحلة الردح السياسي والاتهامات المتبادلة .
أم أن هذا التباطؤ كما يشاع سببه وجود بعض المتنفذين داخل كل فريق وهم مستفيدون من استمرار الانقسام وفد تتضرر مصالحهم في حالة التوافق الوطني ، وهذا عذر أقبح من ذنب ، وهؤلاء بإجماع الفريقين لا يشكلون سوى أقلية لا تجرؤ على البوح بمكنوناتها وتختبيء خلف قيادات تخشي على مناصبها من حالة حدوث التوافق الوطني .
هل هذا التباطؤ نتيجة وجود فيتو " امريكي إسرائيلي " على المصالحة ؟ لم تعد هذه الحجة تقنع أحدا بعد التقدم الذي حققه الحوار الداخلي والوصول الى التفاهمات الجادة .
من الواضح أن المشكلة فلسطينية خالصة وعنوانها يحمل الطابع الشخصي المجرد ، والمشكلة في اتخاذ القرار الجاد والمسئول أولا من سيادة الرئيس محمود عباس بصفته الرئيس المنتخب من الشعب الفلسطيني وبما يمثله كونه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهي المرجع الأعلى للشأن الفلسطيني العام وهي صاحبة القرار في كل ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني ، وكذلك على حركة حماس الشريك الرئيس في إدارة شئون السلطة والقوة المسيطرة على قطاع غزة تقع عليها مسئولية التحرك الجاد لتحقيق التوافق الوطني .
لا يوجد ما يبرر استمرار الانقسام أبدا ، الجميع بارع في تحليل المواقف وصياغة العبارات القوية ، ولكن قلة من يدرك الحقيقة والقدرة على الإجابة للسؤال الذي يطرحه الشعب الفلسطيني " لماذا هذا التباطؤ في تحقيق الوفاق الوطني ؟ " .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت