الخطوة الأولى وما يليها
تحديث السجل الانتخابي هو الخطوة الأولى في العملية الانتخابية، والانتخابات عملية معقدة تأتي نتائجها طبقاً لتراكم جملة من العوامل، لكل منها إسهاماته في تحديد مخرجاتها، تبدأ بتحديث السجل الانتخابي وتنتهي بإعلان النتائج الرسمية، وما بينهما الكثير من العناوين الرئيسية والفرعية المشكلة لهوية نتائجها، وبطبيعة الحال قبل كل ذلك يأتي المنهج والسلوك الذي يلبي احتياجات وتطلعات المواطن، وإن اقتصرنا الحديث عن العملية الانتخابية ذاتها، فمن المؤكد أنها عملية إدارة بامتياز لا يصلح التعامل معها بنظام "الهبة"، ولا يمكن لتقييم مراحلها أن يترك أمره للاجتهاد الفردي، فالأحزاب التي تغيب المنهج العلمي في إدارة الانتخابات تحصد المفاجئات في النتائج التي عادة ما تأتي على عكس جماهيريتها التي تتمتع بها، ولعل هذا ما يدعونا دوماً للاعتقاد بأنه من الصعوبة بمكان قياس الرأي العام الفلسطيني، وبذات المفهوم عادة ما تأتي نتائج استطلاعات الرأي مغايرة لنتائج الانتخابات الحقيقية.
بدأ تحديث السجل الانتخابي وعادت حركة فتح لتعتمد على البعد العاطفي البعيد عن المنهج العلمي في إدارة الانتخابات، فلا توجد عملية إحصاء يومية تتابع مجريات تحديث السجل الانتخابي، وغابت كذلك المتابعة في التأكد من تسجيل الناخبين الجدد ممن تنطبق عليهم الشروط، ولا توجد قراءة واضحة لتوجهات الناخبين الجدد خاصة وأننا نتحدث عن سبع سنوات لم يتم تحديث السجل الانتخابي فيها، ولا يعني ذلك قصوراً من أبناء الحركة في تحديث سجلهم الانتخابي، وإنما في ضعف الجسم المنظم لذلك، ويمكن لنا أن نضرب مثالاً بسيطاً حول ذلك، لقد دأبت المناطق والشعب على حصر أبناء الحركة ممن يحق لهم التسجيل في كشف الناخبين، ولجأ الأخوة القائمون على ذلك في حصر الأسماء وأرقام هوياتهم، دون الإيضاح لأصحابها بما عليهم إتباعه في عملية التسجيل، فركن البعض منهم لهذا الإجراء معتقدين أن ممثلين الحركة في المناطق والشعب سيتولون نيابة عنهم إجراءات التسجيل، وأعتقد أن جهداً كبيراً بذل لتصحيح ذلك.
أعتقد أن هنالك ثلاث قضايا يجب أن تنجزها الحركة قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، الأولى تتمثل في ضرورة إجراء الانتخابات في كافة اطر الحركة، على أن تفرغ منها قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأهمية ذلك تنبع في تجديد الدماء في اطر الحركة وبخاصة الجيل الشاب الذي تحتل شريحته الغالبية في تركيبة المجتمع الفلسطيني والقادر على محاكاة أدوات العصر في التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الجماهير، وثانياً أن الانتخابات الداخلية تعيد تشكيل الهياكل التنظيمية بما يمكنها من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم في العملية الانتخابية.
ثانياً: بات من الضروري إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، على أن تبدأ من عضو اللجنة المركزية وتنتهي بالمناطق والشعب في المناطق الجغرافية المختلفة، مع ضرورة رفدها بالكوادر الحركية العلمية التي تمتلك الأبعاد المختلفة لإدارة العملية الانتخابية بتفاصيلها المتشعبة.
ثالثاً: عانت الحركة كثيراً في الانتخابات التشريعية السابقة من جراء عدم التزام كوادرها بالقائمة التي تم ترشيحها للانتخابات، وترشح البعض منهم للانتخابات خارج قوائم الحركة مما أضاع آلاف الأصوات على الحركة، ولن نبالغ إذا ما قلنا أن الترشح خارج القائمة كان سبباً محورياً في خسارة الحركة للانتخابات التشريعية السابقة، ومعالجة ذلك لا يكمن في فصل من يقدم على الترشح خارج قوائم الحركة من أبنائها دون وضع آلية واضحة تشارك القواعد التنظيمية في اختيار مرشحي الحركة للانتخابات، فحين غابت الآلية الواضحة في المشاركة الواسعة لأبناء الحركة في تحديد مرشحيها، لم يلتزم الكثير من كوادر الحركة بالقوائم وخاض الكثير منهم الانتخابات المحلية الأخيرة ولم يثنهم عن ذلك قرارات الفصل التي لاحقتهم، وبالتالي نحن بحاجة اليوم لوضع آلية يشارك فيها قطاع واسع من أبناء الحركة في تحديد مرشحيهم للانتخابات، وإن كان من الصعوبة بمكان إجراء انتخابات مبكرة يشارك فيها كافة أبناء الحركة، فهذا لا يعني إغلاق كافة الأبواب أمام مشاركة الكادر في اختيار مرشحي الحركة، فمن جهة أهل مكة أدرى بشعابها، ومن جهة أخرى يقطع هذا النهج الطريق على كل من يفكر في الترشح خارج قوائم الحركة، لأن فصلهم حينئذ له ما يبرره ولن يجد من أبناء الحركة من يلتف حوله.
مشكلة الكثير من القوى الفلسطينية أنها لا تمتلك المد الجماهيري الذي يؤهلها لأن توسع من مكانتها على الخارطة السياسية الفلسطينية، ومشكلة حركة فتح تكمن في غياب المنهج القادر على استيعاب مدها الجماهيري الواسع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت