إهمالنا الطبي إلى متى ..؟!!

بقلم: حامد أبوعمرة


لو كنت طبيبا حديث التخرج ما فكرت أبدا الزيارة أو الدخول لغرف العمليات ،ولكتبت على بطاقتي المهنية طبيبا مع إيقاف التنفيذ ، محظور دخول غرف العمليات إلا بعد اكتساب المهارة الكافية ،والخبرة ليس في بلادنا ، بل من بلاد من هم أكثر منا رقيا وعلما وحضارة ،وتجريبا ،وأن تكون هناك شهادة معتمدة بالمزاولة العملية للمهنة بذلك ،ما جعلني أتطرق إلى هذا القول هو ليس اعترافا مني بانتقاص للقدرات أو انعدام الثقة ،ولكن ..لما عايشناه من واقع مؤلم ،ومرير إن لم نخضعة للتجريب الشخصي فقد سمعناه من حكاياتٍ فاقت خرافات الألف ليلة وليلة ،فكم من صحيح دخل إلى المشفى ،وقد خرج إما بعاهة مستديمة أو محمولا على الأعناق إلى القبر ،وكم من مريض احتاج إلى جراحة بسيطة في إحدى عينيه ،فكانت النتيجة فقده للرؤية بالعينين معا ،وكم من مريض أجريت له عمليات كانت محددة ،ولكنه خرج بأعضاءً ناقصة كانت سليمة ،ولاعلاقة لها بما تحدد !! ،وكم من ولادات أُجهضت خطئا ،وكم من نساء فقدن أعمارهن في أكشاك الولادة إهمالا ،وقد دخلن غرف العمليات سيرا على الأقدام ،وكم من أطفالٍ وشيوخٍ أجريت لهم جراحات لا دعي لها البتة ،وعلاجهم كان مجرد أعشابا تشفيهم أو محلولا يكفيهم !!،بل أغرب ما سمعته عندما روى لي أحد الأصدقاء أن طبيبا له طفل صغير لما مرض واخضع لبعض الفحوص وتم تصوير أشعة له ِقيل له أن ابنك عنده مرضا سرطانيا ،فوقع الخبر عليه كالصاعقة فحمل ابنه،و كافة أوراقة على عجالة مسافرا للخارج لاستشارة احد الأطباء المشهورين والذي كان هو أحد طلابه بالكلية ،ولما عرض عليه الأوراق وصور الأشعة ..فكانت المفاجأة الكبرى.. حيث اكفهرت ملامح وجه ذاك الطبيب ،فصرخ بصوتٍ عالٍ ،وبغلظة شديدة قائلا لذاك الأب والطبيب أيضا :ماذا افعل بك ..،أهكذا علمتك ..ياللخسارة .. ،قد خيبت أملي فيك !!،إن صور الأشعة تبين أن هناك سرطانا لكن في الرحم !!،وهل تحول ابنك إلى امرأة ؟! ،يعني الأمر حدث فيه استبدال بالخطأ .. إذا أحبائي صاحبة المرض الأصلي امرأة أصبحت الآن في عداد الأصحاء خرافة لا واقعا ،ودون أن تدري !!..لما سمعت ذلك حقيقة بهذا القول ،و بعدما كنت أضحك مع صديقي كتمت بسماتي ،و انتابني قلق شديد ،واضطراب فجأة لا أعرف لما شعرت بهذا الشعور أهو خوفا على نفسي فحسب أم على أولادنا ، ونساؤنا ،وشيوخنا فإلى هذا الأمر قد آلت إليه أوضاعنا ؟!! ،وقد يتساءل أي شخص أن السبب يكمن في الإهمال ،وعدم الاكتراث بأرواح الناس ،وغياب الرقابة والإيمان بالثواب والعقاب ،ويقول آخر أن السبب عدم الخبرة وعدم توفر الأجهزة الطبية ،ويقول ثالث يا أخي دع الملك للمالك هذه أعمار..فما من احدٍ يموت وقد نقص عمره!!،وقد نسي أو تجاهل أن جمهور علماء المسلمين قالوا في التوكل الصحيح، إنما يكون مع الأخذ بالأسباب، وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ـ: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة!!.. المهم أني برأيي الشخصي وكما أقول دائما الغير ُملزم هو أن كل مايحدث في بلادنا ليس حصرا بل في أغلب بلاد العُرب أوطاني أن السبب الناجم عن تلك المآسي لايكمن في الإهمال وحده ..إهمال الطبيب أو التمريض أو إهمال التشخيص أونقص المعدات والأجهزة الطبية بالمستشفيات .. فلا اعتقد لمجرد الاعتقاد بأن طبيبا يمكن له أن يزهق النفس البشرية عامدا متعمدا مع سبق الإصرار والترصد ،وهو لا يتحمل مشهد دعس نملة أو ذبح شاة ،وهل هو بحاجة ماسة ليضيع إنسانيته ،وسمعته فيضيف رصيدا سلبيا في سجل الفاشلين !!هذا ليس دفاعا عن الأطباء ،وليس إدانة كاملة كذلك لهم ،أو للطواقم الطبية ..أقول ذلك لأني اعلم جيدا انه حتى المنحرفين دائما يحبوا ان يظهروا بمظاهر لائقة يحترمهم فيها الناس ، والى أن يشارُ إليهم بالبنان في كل مكان!!، ولا يمكن لنا ان نجرد أمثال هؤلاء من الإنسانية إلا إن تغطرسوا وتكبروا وأخذتهم العزة بالإثم ،وعزموا على الجهل ،والركود ،وعندما يصبح الإنسان لا قيمة له في أعينهم ، فهنا يختلف الحديث !!
إن الخبرة عندي تعني أنها تكتسب بالتكرار في عمل الشيء هذا قولا صحيحا ..لكن التساؤل هنا هل هذا العمل خاطئا أو وضيعا يتكرر بالتوارث أوالاكتساب من خلال العادات والتقاليد فإن كان الأمر كذلك يمكننا أن نصنفها "خبرة خطئيه "!!.. أما إن كان العمل صوابا ويسير بصورة إنمائية طردية من الجانب الفيزيائي وعندئذ يمكننا تسميته "خبرة صوابيه" وإلا لكان المتسولون والمجرمين والقتله هم أكثر خبرة في أعمالهم ولصنفوا
خبراء !!،وإلا لكان أطباؤنا هم الأوفر نصيبا في ذلك خاصة أننا كم تعرضنا لويلات الحروب وخلفنا دمارا وجرحى وقتلى .. أما تكفي تلك الحقول البشرية الهائلة التي خضعت للتجريب بين أيديهم وقد اجتاحتنا على أرض الواقع !!، إذا الخبرة ياأحبائي في أي علم ،وأخص بالذكر العلم أنها تكتسب بالمقدرة على تصويب الأخطاء ،ومتابعة كل جديد على مستوى التقنية الحديثة المعاصرة ،وبجانب ذلك أتساءل هل أطباؤنا يعتمدون على الكتب والبحوث والمراجع في تطوير مهنيتهم أم حقا..فإن كان ذلك فلا ننسى أن المعروف من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، إذا هم بحاجة إلى دورات تدريبية مكثفة بالخارج رؤساءً ،ومرؤوسين حتى ينهضوا من سبات الخطايا العميق ، فننتعش جميعا ،فإذا كان مقياس تطور الدول اليوم ُيقاس بمدى التطوير في الطب الجنائي ،و هو الطب الذي يكشف سبب الوفاة أو الجريمة فما بالنا بالتطوير لما هو أسمى وهو الاهتمام والرعاية بصحة الإنسان ،وهنا حقيقة ثابتة لا يمكنها أن تتبدل في اعتقادي وهي أني أيقنت أن العلم لا يكتمل إلا بالإيمان ،فلو وضع كل إنسان منا مخافة الله نصب عينية لتغيرت كل أحوالنا !!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت