لا شك بأن زيارة الرئيس الأمريكي (أوباما) لمنطقة الشرق الأوسط , تنطوي على أهمية سياسية وإستراتيجية كبيرة , ليست لدول المنطقة المستهدفة من الزيارة فقط , وإنما لأمريكا نفسها , التي لازالت ممسكة بزمام الأمور في الشرق الأوسط وسياساته واقتصاده , وفي ذات الوقت يجب عدم التهويل من نتائج هذه الزيارة على مسار الحركة في المنطقة , وخاصة في مسار عملية السلام , لسببين ، الأول : أن الحكومة الإسرائيلية القادمة هي حكومة يمينية بامتياز , ورئيسها نتنياهو , لا يُؤمن بحل الدولتين , وعلى رأس أجندتها كما يريد رئيسها " منع إيران من التسلح النووي" وليس السلام مع الفلسطينيين , والثاني : أن الموقف الأمريكي متناغم ومنحاز مع الموقف الإسرائيلي , ولا يميل لممارسة أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية , ويبقى السؤال المطروح أمام (أوباما) , هل يريد أن يُحدث تغييراً جوهرياً لإنقاذ عملية السلام من خطر الانهيار جراء السياسات الإسرائيلية , أم أن زيارته ستكون مجرد زيارة علاقات عامة لإرضاء اسرائيل , ومما يُعمق الشك أكثر فأكثر حول جدية الموقف الأمريكي , ما قاله نائب مستشار (أوباما) للأمن القومي المسؤول عن ترتيب زيارته لإسرائيل (بن رودس) :" إن أوباما لن يقوم بحل أي قضية معينة خلال الزيارة , وإنما ستكون الزيارة بمثابة فرصة يتحدث من خلالها إلى الشعب الإسرائيلي بشكلٍ مباشر" .
بدعوة من الإدارة الأمريكية سوف يزور واشنطن وفد فلسطيني , وآخر إسرائيلي , لبحث زيارة أوباما للمنطقة , وحسبما صرح عضو الوفد الفلسطيني المتوجه إلى واشنطن (محمد اشتيه) , أن الزيارة تأتي لمناقشة احتياجات نجاح عملية السلام , وهي ليست تحضيراً لزيارة أوباما , بل لشرح الموقف الفلسطيني بشموليته , والرؤية الفلسطينية للحل , وخاصة من قضايا الاستيطان , وقضايا بناء الثقة , والأسرى , وليس من المعروف هل ستكون لقاءات ثنائية بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي , أم ستكون مداولات غير مباشرة بينهما عبر المضيف والراعي الأمريكي , لبلورة أفكار تعمل على إنجاح زيارة أوباما من خلال إحداث اختراق جدي في عملية السلام المجمدة منذ سنوات .
زيارة (أوباما) للمنطقة , تضع الموقف الأمريكي على المحك , وتحت الاختبار الحقيقي , وهي الفرصة الأخيرة لإنقاذ عملية السلام من خطر الانهيار , ومطلوب من الرئيس أوباما تحمل مسؤولياته باعتباره يمثل الجهة الراعية والتي بيدها مفتاح الشرق الأوسط , لحل القضية الفلسطينية , وممارسة الضغط اللازم على الحكومة الإسرائيلية , ولاسيما على رئيسها نتنياهو , لوقف سيناريوهات الحرب , والعودة إلى خيار السلام , القائم على مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين , والالتزام بوقف بناء وتوسيع المستوطنات في أراضي الدولة الفلسطينية .
زيارة (أوباما) لمنطقة الشرق الأوسط , هي الأولى منذ توليه الرئاسة الأمريكية في الفترة الأولى , وكانت أول زيارة له بعد إعادة انتخابه في ولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة لمنطقة آسيا والباسيفيك , في دلالة على مدى اهتمامه بتعزيز الثقل في هاتين المنطقتين ذات الحساسية الأمنية والاقتصادية , فالولايات المتحدة لازالت تدرك أن محور الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط لازال محتدماً , وأن مشروع الشرق الأوسط الجديد من وجهة النظر الأمريكية لم يسير كما تشتهي رياح التغيير الأمريكية , وأن إستراتيجية إعادة التوازن لمنطقة آسيا والباسيفيك ستكون جزءاً هاماً من السياسة الخارجية في ولايته الثانية, وهي إستراتيجية طويلة الأمد , ستشمل المجالات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية , (كما قال المسؤولون الأمريكيون) , مما يدفع أمريكا باتجاه تبني سياسة متوازنة في الحفاظ على ثقل دورها في الشرق الأوسط لأهميته العسكرية والأمنية والاقتصادية , والذهاب في اتجاه تعزيز حضورها في منطقة آسيا – الباسيفيك التي تمثل مركز الثقل العالمي , ديمغرافياً , وسياسياً , واقتصادياً , إذ أنها تضم أبرز القوى الاقتصادية الصاعدة حالياً مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند , بالإضافة إلى أنها تلامس قوى دولية ذات ِشأن في الإستراتيجية الأمنية مثل روسيا , باكستان , وكوريا الشمالية , وهذا يعني أن هذه المنطقة الحيوية تستحوذ على نصف سكان العالم ونصف القوة الاقتصادية العالمية .
من الأهمية بمكان أن يدرك (أوباما) وهو يسعى لحماية المصالح الأمريكية في العالم , وإتباع سياسة متوازنة بين منطقة الشرق الأوسط وآسيا والباسيفيك , أن مفتاح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط , يتطلب العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكاله للأراضي الفلسطينية والعربية , وتمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد إقامة دولته المستقلة المتصلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس , لوضع حد لحقبة طويلة من الصراع , وبناء السلام العادل والشامل لما فيه خير ومصلحة المنطقة والعالم , وفي هذا الموقف امتحان حقيقي لمدى صدقية الموقف الأمريكي .
19/2/2013م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت