ليس من الصعب تفسير فشل اطراف الانقسام بإنهائه وتحقيق الوحدة الوطنية، فالطرفان لهما دوافعهما وأهدافهما لإتمام المصالحة، فالجدية التي يتحدثون عنها هي لمصالحهما الخاصة، وهما يريدان المصالحة والوحدة كل حسب شروطه ورؤيته وأسبابه، حماس تبحث عن الشراكة و عن الشرعية المفقودة عنها وعن حكومتها بغزة، والاهم هي لا تخفي طموحها بقيادة الشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير، وفتح تريد الحفاظ على الاستمرار بقيادة المنظمة والسلطة وإعادة قطاع غزة الى حضن الشرعية كما تقول، والرئيس محمود عباس ينتظر وهم زيارة الرئيس الامريكي اوباما.
الطرفان يسعيان لذلك بكل قوة ويغيبان المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ويغلبان اهدافهما الخاصة، وباستطاعتهما تحقيق الوحدة وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وبناء المنظمة وتفعيلها كممثل شرعي و حقيقي للشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده، ومشاركة الكل الوطني في التحرر من الاحتلال، وتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني الوطنية وإقامة الدولة.
فأسباب الرئيس عباس التوجه للمصالحة وتشكيل حكومة جديدة وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة هي السعي الى وقف تقدم حركة حماس وعدم تحقيقها أي انجازات إضافية بعد ما حققته من اعتراف بعض الدول والأطراف العربية والإسلامية خلال الأعوام الماضية، اضافة الى انجازات سياسية تُوجت بما وصفته بـالانتصار في العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة المتمثلة في مكاسب حققتها من خلال التفاوض عبر مصر مع اسرائيل، وزيارات قادة ومسؤولين عرب ومسلمين الى القطاع.
وعليه فالرئيس عباس بدأ يشعر بان هناك تهديداً جدياً على وحدانية التمثيل الفلسطيني الذي تمثله منظمة التحرير، وهو ما تدركه حماس ايضاً. الرئيس عباس يرغب من خلال المصالحة بعدما أصبحت فلسطين دولة بـصفة مراقب في الامم المتحدة، في العودة الى قطاع غزة وممارسة السيادة في القطاع، الأمر الذي لم يتحقق له في الضفة الغربية بسبب الاحتلال الاسرائيلي المباشر للأرض الفلسطينية وتقطيع أوصالها، فضلاً عن انسداد أفق المفاوضات مع اسرائيل، والأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية.
كما ان أحد دوافع الرئيس عباس للمصالحة عدم قدرته على ادارة أوضاع حركة فتح المهلهلة في القطاع وعدم وجود تنظيم قوي يدير شؤونها، بالإضافة الى الضغوط الخارجية التي يتعرض لها عباس والمترافقة مع التغيير في العالم العربي وتصدر جماعة الاخوان المسلمين المشهد السياسي، خصوصاً في مصر وفوز محمد مرسي برئاستها، وانحيازها الى جانب حماس.
في المقابل، فان حركة حماس تهدف من وراء تحقيق المصالحة الى أن تنتقل خطوة أو خطوات الى أمام على طريق تحقيق مشروعها بإقامة الدولة الاسلامية، كما ان من دوافعها بعد ان ادركت أن سيطرتها على قطاع غزة ومحاولة اقامة مشروع "دولة أو إمارة غزة" ثبت فشله، فيما وصلت الحركة الى قناعة باستحالة السيطرة على الضفة بسبب الاحتلال الاسرائيلي المباشر.
حماس مغيبة وملاحقة في الضفة الغربية وانها لا تستطيع ممارسة العمل التنظيمي و السياسي وأعضائها ملاحقون من الاحتلال والأجهزة الامنية، فهي تسعى من خلال المصالحة الى اعطاء مساحة لها بعودتها لممارسة عملها الاجتماعي والنقابي و التأطير الجماهيري بين الناس، وتعتقد انه في حال غضت اسرائيل الطرف عن سيطرة الحركة على الضفة، فإن دورها هناك لن يزيد عن الدور الوظيفي الأمني.
لذا فإن الحل الأمثل بالنسبة اليها هو أن تكون شريكة في القرار السياسي مع فتح وعباس، على أن تبقى الحال على ما هي عليه في الضفة وغزة، أي استمرار سيطرة عباس وفتح على الضفة، وحماس على القطاع، الأمر الذي يُعد انجازاً للأخيرة.
و حماس تعتقد أن على رغم أنها أقامت علاقات جيدة نسبياً مع عدد من العواصم العربية والإقليمية لها، إلا أن هذه الدول تستقبل رئيس حكومتها ووزرائها كقياديين في الحركة وليس كمسؤولين حكوميين، ما يعني أن الحركة وحكومتها تظل فاقدة الشرعية التي تسعى اليها من خلال الشراكة السياسية والشراكة في التمثيل مع فتح، خصوصا اذا انضمت الى منظمة التحرير الفلسطينية.
هذه هي دوافع وأهداف طرفي الانقسام لإتمام المصالحة، وبهذه الطريقة فالمصالحة غير ممكنة، و لتكون المصالحة ممكنة يجب التوافق على الشراكة الوطنية الحقيقية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وعدم الركون على الاطراف الإقليمية والدولية وتدخلاتهما، والرهان على مصر وتمكين الاخوان المسلمين فيها، أو انتظار وهم اوباما باستئناف المفاوضات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت