الوصفه السحرية في التكنوقراط
يبدو أن الوصفة السحرية للخروج من أزماتنا الداخلية تكمن في حكومة التكنوقراط، والوصفة لا تتعلق بالحالة الفلسطينية بل تمتد لعدد من دول الجوار، تونس تعلق آمالها على نجاح مبادرة رئيس وزرائها "حمادي الجبالي" بتشكيل حكومة من التكنوقراط، وسواء كان الخلاف داخل حركة النهضة بين رئيسها "راشد الغنوشي" والأمين العام "حمادي الجبالي" أمراً صحيحاً أو من قبيل تبادل الأدوار، فإن تشكيل حكومة من التكنوقراط "الخالص"، أو المزج بين التكنوقراط وقيادات حزبية للوزارات السيادية، بات أمراً لا مفر منه، والتفاهمات التي أبرمتها الترويكا الحزبية التونسية، والتي أعطت حركة النهضة رئاسة الحكومة، وحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية رئاسة الدولة، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات رئاسة المجلس التأسيسي، هذه التفاهمات لم تعد قادرة على الصمود وبخاصة بعد اغتيال القيادي المعارض "شكري بلعيد".
ومصر ترتفع فيها الأصوات المنادية لتشكيل حكومة تكنوقراط، ورغم أن حركة الإخوان المسلمين ترفض ذلك، وتعتقد أن باستطاعتها احتواء الاحتجاجات التي تقودها المعارضة، إلا أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها مصر قد تجبر الجميع على الذهاب إلى حكومة من التكنوقراط أو المستقلين، السؤال الذي يفرض ذاته لماذا نعتقد أن حكومة التكنوقراط هي الملاذ الوحيد لدينا لمعالجة أزماتنا الداخلية؟.
تكنوقراط كلمة يونانية تعني حكم أصحاب العلم والتقنية الفنية، وغالباً ليس لهم ارتباط حزبي، وتنبع مهمة حكومة التكنوقراط في توفير حياة أفضل لشعبها من خلال الاهتمام بجوانب الحياة المعيشية، وغالباً ما تستحوذ الصناعة والتجارة على اهتمامها، فيما السياسة هي الغائب الأكبر في أجندتها، مؤكد أننا لا نهدف من دعواتنا لتشكيل حكومة تكنوقراط إلى البحث عن تنمية مستدامة توفر حياة أفضل لمواطنيها، بعيداً عن دهاليز السياسة ومتاعبها، وإنما لقناعتنا بأنها المخرج لأزمة غياب الثقة وعدم تقبل الآخر، وبخاصة في ظل تنامي ثقافة الاستحواذ من جهة والإقصاء من جهة أخرى التي باتت تتحكم في سلوكنا.
حكومة التكنوقراط التي بات الجميع يرى فيها صورة المنقذ والمخلص، حظيت بهذه المكانة من جراء غياب الفهم الحقيقي للحكم والمعارضة والضوابط التي تحكم العلاقة بينهما، في عالمنا العربي الحزب الحاصل على أغلبية في الانتخابات تسيطر عليه فكرة الاستحواذ على كل شيء من مقدرات ومقاليد الدولة، وكي يكون له ذلك لا بد وأن يشرع فوراً في هدم ما كان قائماً، ويعيد تشييده حسب مواصفاته الحزبية، وبطبيعة الحال إقصاء الآخر تمثل له البوصلة التي يسترشد بها، وكي يكون له ذلك لا بد أن يكتم أنفاس المعارضة ويضيق عليها الخناق، وفي المقابل المعارضة لا تستوعب أن ما ينتج عن العملية الديمقراطية أغلبية تتسلم زمام الحكم، وأقلية تجلس على مقاعد المعارضة، والأقلية لدينا تصارع الأغلبية ليس في المساحة المخصصة للمعارضة وتصويب عمل الأغلبية الحاكمة، بل في كيفية مشاركة الأغلبية في اقتسام الغنائم.
أعتقد أن السعي لتشكيل حكومة تكنوقراط ليست وصفة سحرية نعالج بها أزماتنا، بل تمثل هروباً من واقع يرفض فيه كل منا الآخر، لكن الأهم من كل ذلك أن فكرة اللجوء إلى التكنوقراط فيها ما يشير إلى غياب العمل المؤسساتي داخل الدولة، فقد جرت العادة، في الدول التي تمارس الديمقراطية وتعترف بنتائجها، أن الوزير منصب سياسي، فيما العمل التقني والفني يوكل إلى الطواقم العاملة في الوزارة، لكن لدينا الوزير هو الآمر الناهي ويتصرف في وزارته من منطلق أنها ملكية خاصة به، إن البحث عن مخرج لأزماتنا الداخلية من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط لا يقودنا إلى حلول لها بقدر ما يسهم في ترحيلها وتأجيل معالجها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت