النقاشات والحوارات واللقاءات المتعلقة بالمصالحة تبدو وكأنها حركة فوقية معلقة في السماء، لانها مفصولة او بعيدة عن تلك النقاشات والافكار والرؤى النابعة من النبض الشعبي، فالاولى تخضع المصالحة لاشتراطات ومحاصصات ومصالح فصائلية، بينما المصالحة التي يطمح اليها المواطن الفلسطيني هي مصالحة جذرية، اي تطال جذر الخلافات، بحيث لا تنتكس او تتراجع او ربما تنتهي مجرد تضرر المصالح الفئوية، حينما يتطلب الامر تقديم تنازلات من هذه الجهة او تلك.
المصالحة الفوقية لا تطال البنى والتجسيدات الانقسامية ، حيث يقتصر دورها على ادارة الازمة وجعل الانقسام مؤطرا وقائما لكن ضمن قنوات تنسيقية تخفف من التوتر، بيد انها لا تنهي التناقض وانما تحاول ان تبقيه بمنأى عن الصدام.
اما المصالحة في المنظور الشعبي، فهي تعني حكومة واحدة ورئاسة واحدة واجهزة امنية موحدة، لا ازدواجية في الوزرات ولا اللجان والهيئات الرسمية. مصالحة تصطف خلف استراتيجية واحدة لا تظل اسيرة استراتيجيات متناحرة، بمعنى ان يكون للفلسطينيين لغتهم الدبلوماسية وتوجهاتهم القانونية وان يكونوا متوافقين في الخطوات النضالية كافة التي من المفروض ان تخدم وتدعم التوجهات السياسية، بخاصة بعد الذي تحقق في الجمعية العامة للامم المتحدة .
المصالحة بالمنظور الشعبي، توحيد الامكانات والطاقات الفلسطينية واستثمار الزمن في خدمة القضية، بل مسابقة هذا الزمن في تحقيق الانجازات، وليس هدره في لقاءات وحوارات مارثونية لا تنتهي، وكل ما يصدر عنها وعود وكلمات مطمئنة،
فيما الانقسام على الارض ينخر مجتمعنا ويوقع اكبر الضرر بقضيتنا، ويعمق اليأس والقنوط في النفوس، ويحول الاستقلال الذي هو الان امكانية قابلة للتطبيق، الى مطلب بعيد المنال.
لذلك فان الوقت الاضافي الذي يتم تبديده في مزيد من الحوار المعقد المتشعب، يستثمره الاحتلال في فرض مزيد من الاستيطان والعزل والتهويد، لا سيما وان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تتقن التعامل مع الزمن وتطويعه واستغلال كل ثانية في اطار استراتيجية محكمة تقوم على اساس منع اقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومعلوم ان الانقسام الفلسطيني قدم افضل هدية للاحتلال، لكي يستفيد من الزمن، رغم ان الوضع الدولي بدأ يعمل لصالحنا. اما على المستوى المحلي فان الزمن يبدو رهينة في ايدينا لا نعرف كيف نستعمل مفاتيحه، بخاصة وان المتغيرات الدولية لصالح القضية تظل امكانية اذا لم يتكامل معها ويتناغم الوضع الداخلي الفلسطيني، لدرجة ان اقرب اصدقاء الشعب الفلسطيني باتوا لا يفهمون كيف يتقدمون نحو قضيتنا، في حين نبتعد نحن من خلال اضاعة الفرص وتبديد الجهد في تناقضات داخلية.
من هنا فأن الاسراع في تحقيق المصالحة يعطي دفعات قوية للموقف الدولي الذي اخذ يصوب مساره في اتجاه يخدم قضيتنا ويساند حقوقنا المشروعة، حيث ينبغي ان نحصد سياسيا وقانونيا واخلاقيا تصويت مئة وثماني وثلاثين دولة لصالحنا.ونقطة الانطلاق يجب ان تكون من ساحتنا الفلسطينية، لان من شأن استمرار الانقسام ان يضيع كل ما تحقق وانجز.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت