تدعي المصادر الإسرائيلية -حسب جريدة "يديعوت احرونوت 11-2-2013"- أن زيارة "أوباما" الأولى للخارج في ولايته الثانية، والتي سيستهلها في إسرائيل، والسلطة الوطنية الفلسطينية، تأتي لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للامتناع عن مهاجمة إيران، وأن السبب الرئيسي لهذه الزيارة هو وقف خطط "نتنياهو" بشن الهجوم خلال موسم الربيع القادم، فهذه المزاعم الإسرائيلية لا تعدو الهراء والغرور وابتزاز الولايات المتحدة والدول الغربية، فمنذ عام 2003 وإسرائيل تلوح بضرب إيران، وتهدد بتوجيه ضربة عسكرية للنووي الإيراني، مع أن إسرائيل تعلم قبل غيرها، بأنها غير قادرة على ضربة قد ترتد عليها، ولا تستطيع تحقيق مثل هذه الضربة دون مشاركة الولايات المتحدة عسكرياً بها، غير أن الولايات المتحدة ليست متحمسة للمشاركة في ضرب طهران، ويكفيها مشاكلها الداخلية والخارجية، بل تواصل مساعيها للضغط على إيران اقتصادياً ومحاصرتها، وتفضل القيام بالعمل الدبلوماسي للتوصل إلى حل مع طهران، دون اللجوء إلى القوة العسكرية، التي قد تكون بدايتها معروفة، لكن أحداً لا يعرف نهايتها التي قد تطول والأمثلة كثيرة.
ليس صدفة أن المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وعدد من الجنرالات العاملين والمتقاعدين، حذروا ويحذرون حكومتهم بعدم اللجوء إلى العمل العسكري ضد إيران، وما تجيير زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة تحت ادعاء الضغط على إسرائيل للامتناع عن ضرب إيران، إلا جزء من الدعاية والاستعلاء والغرور والابتزاز، فهذه الزيارة أولاً وأخيراً تندرج في خدمة المصالح الأميركية، وأن أجندة الزيارة –حسب بيان مجلس الأمن القومي الأميركي- البحث في الموضوع الإيراني، والموضوع السوري، والقضية الفلسطينية، دون أن يحمل الرئيس الأميركي مبادرات جديدة، فالمبادرات التي جرى طرحها خلال السنوات الماضية كثيرة، والمطلوب تطبيقها، ولا حاجة لمبادرات جديدة، بينما دعت القيادة الفلسطينية الرئيس "أوباما" للتدخل شخصياً في العملية السياسية مع إسرائيل، إذ أنه دون هذا التدخل الجدي، فإن العملية السلمية ستراوح مكانها.
الرئيس الأميركي -حسب جريدة "معاريف 10-2-2013" - سيقترح على "نتنياهو" أن يكثف الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على طهران، في المقابل سيطالب إسرائيل بإجراء تنازلات للفلسطينيين، وأنه حسب الجريدة يمسك بيده الجزرة والعصا، في محاولة لحمل "نتنياهو" على إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، في قضيتي الحدود والترتيبات الأمنية، وأن أكثر ما تخشاه الحكومة الإسرائيلية، مطالبتها بوقف الاستيطان، مقابل الجهود الأميركية لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي وأن دعوات تجميد البناء الاستيطاني مقابل امتناع الفلسطينيين من التوجه لمحكمة جرائم الحرب في "لاهاي" هراء، بينما أصدر مكتب "نتنياهو" بياناً جاء فيه: لا تغيير في سياسة الاستيطان المستمرة، ولا تجميد للبناء الاستيطاني.
والسؤال: ماذا يعني "نتنياهو" من ترديد أقواله بأنه ملتزم بحل الدولتين؟ في الوقت الذي يعمل على تعطيل هذا الحل، من خلال مشاريعه الاستيطانية الواسعة، وإذا كان "نتنياهو" يسعى لحل الدولتين، فلماذا يمتنع عن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية؟ فالرئيس "أوباما" يدرك أو سيدرك أن الحكومة الإسرائيلية غير جادة بالتوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين، وأنه دون ضغوط أميركية حقيقية على إسرائيل، وطالما أن أميركا تواصل لجوئها إلى "الفيتو" في مجلس الأمن، لإجهاض قرارات ملزمة لإسرائيل، فإن المماطلة ستستمر، والاستيطان مستمر.
الحلبة السياسية والإعلامية الإسرائيلية منشغلة جداً للتعامل مع زيارة الرئيس الأميركي، فجريدة "هآرتس8-2-2013" وتحت عنوان "ليست زيارة مجاملة فقط" استهلت افتتاحيتها بالقول أن الزيارة تأتي في بداية ولايته الثانية، وليس في نهايتها، كما فعل رؤساء أميركيون سابقون، وذلك لإذابة الجليد عن المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين المجمدة أصلاً، وأن الحد الأدنى الذي قد تسفر عنه الزيارة استئناف المحادثات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين في المسيرة السلمية، لكن: هل يقبل الفلسطينيون باستئناف المحادثات دون وقف الاستيطان؟ وهل ستسفر زيارة الرئيس الأميركي عن لقاء ثلاثي بين "أوباما"-"نتنياهو"- وعباس"، وهل الطواقم التي تعمل على الإعداد لزيارة الرئيس الأميركي توصلت إلى تفاهمات مسبقة مع الأطراف المعنية؟ والسؤال الذي يتكرر إسرائيلياً: هل "أبو مازن" شريك للمفاوضات؟ ونفس السؤال يتكرر فلسطينياً: هل "نتنياهو" شريك للمفاوضات؟ وكيف يمكن التوصل إلى الحل وإسرائيل تقوم ببناء آلاف الوحدات السكنية في القدس التي تعتبرها عاصمة إسرائيل الأزلية، وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، وأنها تريد السيطرة على أراضي الأغوار والمنطقة "ج" اللتين تشكلان نحو نصف مساحة الضفة الغربية، فإن ما تقوم به إسرائيل، يقضي بالتأكيد على ما يسمى بموضوع حل الدولتين، رغم أن العالم يعتبر الاستيطان غير شرعي وغير قانوني.
إن من أهداف زيارة الرئيس الأميركي، محاولة إغلاق الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، إيران وسوريا وفلسطين، فوزير خارجيته "جون كيري"، يرى بأن إغلاق الملف الإسرائيلي-الفلسطيني، ولو بصورة جزئية، يشكل مفتاحاً لتجنيد تحالف عربي-غربي لإغلاق ملفي سوريا وإيران، وأنه يخشى من أن نافذة فرص "دولتين لشعبين" توشك أن تغلق، ليحل مكانها انفجار قوي لانتفاضة فلسطينية ثالثة، و"نتنياهو" يقر أن عملية عسكرية إسرائيلية على إيران، لن تؤدي إلى إنهاء المشروع النووي الإيراني، وأنه في أحسن الأحوال تؤجله، في الوقت الذي ستؤدي مثل هذه العملية للإضرار بإسرائيل، أكثر من الإضرار بإيران "معاريف 31-1-2013"، ففي إطار تقدير الوضع الإستراتيجي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يرى رئيس المعهد-وهو رئيس الاستخبارات العسكرية السابق "عاموس يادلين"- بأن الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي سيكون عنيفاً وقوياً وسيؤدي إلى خسائر ودمار كبير في إسرائيل، وهو يحذر من عدم الانزلاق بضرب إيران.
أخيراً ... أصغوا إلى ما يقوله وزير الخارجية المستقيل "افيغدور ليبرمان"-رئيس حزب إسرائيل بيتنا، وهو أقوى شريك سياسي لـ "نتنياهو"- أن التوصل إلى اتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين مستحيل، بل على إسرائيل السعي لتوقيع اتفاق مرحلي طويل الأجل مع الفلسطينيين"، ويقول:" إن أي أحد يعتقد أن من الممكن التوصل إلى حل سحري لسلام شامل مع الفلسطينيين في هذا الـ "تسونامي" الذي يهز العالم العربي لا يدرك حقيقة الأمور"، أما "نتنياهو" فقد أعطى مفهوماً جديداً للبناء الاستيطاني، بأن هذا البناء يجري في أرض الآباء والأجداد، أي أرض إسرائيل.
إن تصريحات "ليبرمان" تعبر عن حقيقة المواقف الإسرائيلية المتطرفة، وتنسجم مع الخط السياسي الرسمي التوسعي، وأن ما يجري لدليل على غياب الشريك الإسرائيلي للسلام، ويعكس نوايا إسرائيل، ويكشف المزيد من حقيقة الطبيعة العدوانية الإسرائيلية، وأن السلام لا وجود له في قاموسها السياسي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت