فلسطين البوصلة

بقلم: عباس الجمعة


مهما تحدثنا تبقى فلسطين البوصلة امام صمود شعب عظيم ، وها هم الاسرى والمعتقلين الابطال يتطلعون لانتصار الكرامة والإنسانية وحفظ الكبرياء الفلسطيني ، ويتطلعون الى العالم ليتحمل مسؤولياته الأخلاقية لا سيما أولئك الذين يتشدقون بالحرية وبحقوق الإنسان والديمقراطية، وليؤكدوا بمعركة الامعاء الخاوية بانها معركة فاصلة بين الحق والباطل مع المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته الحقوقية والإنسانية.
لا يعقل أن تتحرك منظمة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها، وكذلك بقية المؤسسات الدولية غير الرسمية التي تتخذ من حقوق الإنسان والعدالة شعارًا لها، نحو قضايا إنسانية في أكثر من اتجاه وفي أغلب دول العالم في الوقت الذي تلزم فيه الصمت عن أخطر جريمة حرب تمارس بحق الشعب الفلسطيني من قبل آخر احتلال عرفه التاريخ، وإن بدت هذه المنظمات والمؤسسات شيئًا من المواقف فإنها دائمًا ما تكون خجولة، بل مخجلة لأصحابها بداية، إذ لا تتوازى مع حجم المأساة والجريمة التي تعد جريمة حرب حقيقية، فما قيمة القلق الذي عبر عنه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة حيال التدهور السريع لصحة الأسرى ، وخصوصًا حيال الوضع الصحي الدقيق لسامر العيساوي" وكذلك ايمن الشراونة ومحمد التاج باعتبارهم أسرى حرب وينبغي أن يعاملوا على هذا الأساس في سجون الاحتلال وفق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، ولو كانت الأمم المتحدة صادقة وعادلة في نظرتها إلى قضايا الشعوب ، لم تبقى القضية الفلسطينية إلى اليوم تراوح مكانها، ويترك الشعب الفلسطيني بقبضة احتلال صهيوني بشع مجرم يمارس سياساته العنصرية ضده بين التهجير وتهويد الارض والمقدسات، واستمرار حرب الإبادة في السجون بحق الاسرى وبحق الشجر والحجر والبشر، بل عملت على تطبيق بنود اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة من كافة جوانبها، ولا سيما فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، ليعاملوا كأسرى حرب، وينالوا كافة الحقوق الإنسانية طبقًا لروح ونص الاتفاقية وللقانون الدولي الإنساني، وعملت ايضا على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
وامام هذا الواقع نؤكد ان على الأمم المتحدة ان تعطي الاهتمام تجاه القضية الفلسطينية وقضية الأسرى والتي للاسف لم نرى من هذه الجمعية سوى اصدار المواقف ، كما المواقف العربية التي هي أكثر سوءًا وخجلا، فلا تزال جامعة الدول العربية مشغولة بقضايا ثانوية، تاركة وراءها القضية المركزية للعرب القضية الفلسطينية في ازدواجية واضحة في التعامل بين ما هو ثانوي وما هو مركزي، ما يكشف حالة الوهن والضعف الذي أصاب هذه الجامعة العتيدة، الأمر الذي يؤكد أنها أصبحت تابعة لقوى دولية، فلغة خطابها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخاصة قضية الأسرى مغايرة تمامًا للغة الخطاب والمواقف فيما يتعلق بقضايا عربية أخرى.
إن قضية الأسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال الصهيوني، ستظل دليلا آخر على موقف كيان الاحتلال الصهيوني المعادي للسلام في المنطقة، وعلى عدم رغبته في الالتزام بما يتوجب عليه من استحقاقات، وعلى حالة النفاق الطاغية على المنظمات والمؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية التي تتشدق بالحرية والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا ريب أن معركة الأسرى هذه ستكشف الزيف والنفاق لدى السياسة الاستعمارية في تعاملها مع قضايانا وحقوقنا، وتؤكد الحقيقة الثابتة بصورة واضحة أن هذا التعامل لن يكون إلا من أجل مساومتنا وتحقيق المصالح الاستعمارية على حساب الحقوق العربية والفلسطينية ، والشواهد على ذلك في المنطقة كثيرة تنطق بذلك وحدها ولا تحتاج إلى من يشير إليها.
إن ما يقوم به الكيان الصهيوني العنصري من تسريع لعجلة الاستيطان، وتهويد المناطق في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ومساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، يؤكد لنا بكل وضوح أن حكومة هذا الكيان المتطرفة ماضية في استكمال تنفيذ مخططات صهيونية قديمة لإحداث تغيير في بنية الأرض وهويتها عبر مشروعات عنصرية تصب في خدمة المصالح الصهيونية، فيجب على العالم وقف الاستيطان في جميع أراضي فلسطين، نحن نعلم إن العالم منحاز إلى العدو الصهيوني، والعالم العربي مشغول منذ 64 عاما في قضاياهم الداخلية .
ولا بد من القول اذا كان هناك فعلا حلم العربي يجب ان تبقى بوصلته فلسطين والا لا يعتبر حلما عربيا رغم ما يهب على المنطقة من رياح عاتية وتغييرات جمة، طبعا اذا لم تركز الاحزاب والقوى العربية على القضية الفلسطينية باعتبارها محور الحدث والقضية المركزية للعرب ،وهذا يتطلب من الشارع العربي الذي ما زال يناضل من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،ان يعي المخاطر التي تتعرض لها فلسطين والمنطقة من قبل الحلف الامريكي الاستعماري الذي يستهدف الجميع من خلال الثورة المضادة والنضال حتى انجاز ما رفعته الجماهير المنتفضة على مستوى المنطقة ، وهذا يدعونا الى وحدة المصير العربي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فأمن أي قطر عربي مرتبط بأمن سائر العرب، من اجل أبقاء قضية فلسطين حاضرةً في العقل والوجدان العربيين، وباعتبار أن الربيع العربي ينتج شتاء داميا من خلال الفوضى الخلاقة والثورة المضادة لمرحلة طويلة مقبلة يستعمل فيها نهج القتل والتدمير الذي يحكم سلوك جماعات الإرهابية وخاصة ما يجري في سوريا والعراق ، اضافة الى اغتيال قادة الفكر وخاصة ما جرى في تونس باغتيال الشهيد شكري بلعيد ، وهذا نهج غريب عن ديننا وعن أخلاقنا، تتستر به هذه الجماعات تحت يافطة الاسلام ، مما يتطلب نضالا من القوى القومية والديمقراطية واليسارية العربية من اجل الارتقاء بنضالها المتواصل في مصر، أو في تونس حتى تعطي أهمية لمبدأ تحرر الشعوب العربية من قيود القمع والخوف، والعمل من اجل دعم الحوار السياسي في سوريا وترى في ذلك أساساً لتطور دور الجماهير مستقبلا، بما يؤدي إلى تصحيح حركة التاريخ ويكفل إعادة بناء مصر وتونس ودورهما على أساس ديمقراطي تقدمي.
ختاما : نؤكد أن الاسراع في تحقيق المصالحة يعطي دفعات قوية لنضال الشعب الفلسطيني ونقطة الانطلاق يجب ان تكون بانهاء الانقسام،عندئذ فقط يمكن السير على الدرب الصحيح من أجل نجاح المشروع الوطني وانتصاره والتقدم نحو الأهداف المشروعة لشعب أصيل في وطنه المحرر والمستقل.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت