المخيمات الفلسطينية في سورية ليست مكاناً وحسب ، وليست سكاناً وحسب ، إنما هي كلٌ متكامل ، هي المكان والسكان ، وهي بالتالي عنوان ، عنوانٌ لقضية هي القضية الفلسطينية والتي جوهرها اللاجئون الفلسطينيون ، وهي أيضاًُ عنوانٌ لحق العودة ، عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 ، ولا يمكن فهم المخيمات الفلسطينية خارج إطار قضية اللاجئين وحق العودة ، ومن هذا الفهم للمخيمات فإنها تشكل شوكة لا يمكن اقتلاعها أمام تحقيق المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني لأهدافه الاستراتيجية بالقضاء على الحق التاريخي للشعب العربي الفلسطيني بتكريس وجوده في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فهل يصل أصحاب المشروع الاستعماري في المنطقة العربية لتحقيق أهدافهم من خلال ما يسمى بالربيع العربي .
ومنذ ابتداء الأزمة في سورية كان الموقف الفلسطيني العام هو النأي بالمخيمات الفلسطينية في سورية عن الأزمة السورية ، لأنه لا مصلحة للاجئين الفلسطينيين أن يكونوا جزءاً من الأزمة السورية ، ولا يمكن للاجئين الفلسطينيين أن يقفوا إلى جانب أي طرف من طرفي الأزمة ضد طرف آخر مهما كانت المبررات والتفسيرات ، فلذلك كان الشعار الفلسطيني العام في سورية هو الحفاظ على تحييد المخيمات ما أ ُستطيع إلى ذلك سبيلا .
ولكن الذي جرى وحدث كان فوق إرادة اللاجئين الفلسطينيين الذين وجودا معظم مخيماتهم جزءاً من المشكلة ، وهدفاً لطرفي الأزمة ، بدءاً من مخيم درعا إلى مخيم اللاذقية فمخيم حماه ، ومخيمي حلب ، ومخيمات دمشق وخاصة مخيم اليرموك الذي يشكل عنواناً بارزاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، هذا المخيم الذي شهد نزوحاً كبيراً منه إلى مخيمات أقل خطورة منه ، وأصبح اللاجىء الفلسطيني في سورية يعيش قضية لجوء جديدة داخل سورية ، وقد أصاب اللاجئين الفلسطينيين ما أصاب المواطنين السوريين أنفسهم ، من تدمير لبيوتهم وتعطيل لأعمالهم ، ووقوع قتلى وجرحى وموقوفين ومفقودين .
فهل نحن اليوم أمام قرار دولي بالتخلص من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية ، كون هذه المخيمات الشاهد الحيّ على وجود القضية الفلسطينية ، وعلى وجود قضية اللاجئين بشكل خاص ، وأنّ تدمير المخيم وإلغاء وجوده عن الخارطة الجغرافية هدف استعماري لا بدّ من تحقيقه .
وما يجري اليوم في كواليس السياسة الدولية يؤكد على ضرورة التخلص من المخيم الفلسطيني في ظل الربيع العربي ، فالعرض الأمريكي ـ البريطاني على الأردن يؤكد على ذلك ، هذا العرض الذي يعفي الأردن من ديونه الخارجية والبالغة ( 22) مليار دولار أمريكي مقابل قبول الأردن لدخول كافة اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى أراضيه ، ولا يمكن أن يُـفهم هذا العرض المغري إلا في إطار أنّ الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين ، وهذا العرض يأتي في إطار استكمال تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ولا سيما أنّ الأردن هو وليد هذا المشروع الاستعماري .
فهل يعي الجميع مدى خطورة زج المخيمات في أتون الأزمة السورية ، والطرف الفلسطيني هو المعني الرئيس بتحسس خطورة زجه في الأزمة السورية ، فهل يحافظ اللاجئون الفلسطينيون على بقايا مخيماتهم ، وهل يحافظ اللاجئون الفلسطينيون في مخيم حمص تحديداً على مخيمهم ، حيث أنّ مخيم حمص ما زال يتميز عن باقي المخيمات الفلسطينية في سورية بأنه لم يدخل في دائرة النار رغم الخسائر الجسيمة التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين في حمص .
أنّ الأمريكان والانكليز يقايضون على وجود المخيمات الفلسطينية في سورية ، إنه ثمنٌ ليس بالباهظ لشطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة ، فهل تدرك كافة الأطراف في الأزمة السورية خطورة شطب المخيمات الفلسطينية ، وهل يدرك اللاجئون الفلسطينيون أهمية عدم إعطاء أية ذريعة للقضاء على مخيماتهم ، فالقضية التي تواجهنا هي قضية الوجود الفلسطيني برمته ، وهذا ما يؤكد دوماً وباستمرار أنّ صراعنا مع عدونا الأمريكي الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود ، فالمحافظة على المخيم الفلسطيني بأرضه وسكانه هو حفاظ على القضية الفلسطينية وجوهرها قضية اللاجئين وحق العودة .
حمص في27/2/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت