مع فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية صدرت تصريحات على لسان عدد من المسؤولين في الحركة لطمأنة الناس من انهم لن يفرضوا الاخلاق و التدين عليهم بالقانون او بالإكراه، وأنهم لن يمسوا الحريات العامة والشخصية، وكذلك صرح رئيس الوزراء في غزة اسماعيل هنيه في اكثر من مناسبة عن احترام الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان.
لكن الممارسات على الارض كانت مغايرة لتصريحات المسؤولين في الحكومة والحركة، فتعرض افراد من الشرطة اكثر من مرة للناس والنساء والتدخل بشكل مباشر في حياتهم الشخصية، وقاموا بالتدقيق في بطاقات هويات رجال ونساء و احتجاز عدد منهم، وملاحقة اعداد اخرى بذريعة التأكد من علاقتهم في تدخل سافر بحرياتهم الشخصية.
وفي العام 2009، أصدر مجلس العدل الاعلى قرارا بإلزام النساء لباس الجلباب وغطاء الراس على المحاميات المترافعات امام المحاكم النظامية، مع ان وزير العدل في حينه تنصل من القرار، وأكدت الحكومة ان لا علاقة لها بالقرار ووعدت بإلغائه لكن القرار ما زال ساري المفعول.
وفي العام ذاته قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحملة لتعميم "الفضيلة ومحاربة الإساءة للآداب العامة"، و بدأت بتنفيذها، وما رافقها من تعدي على الحريات الشخصية للمرأة، كما صدرت في حينه تصريحات من بعض المسؤولين في الحكومة حول فرض الجلباب على طالبات المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ووقعت اشكالات كبيرة بين الناس والمسؤولين في المدارس.
وخلال السنوات الماضية تراجعت التدخلات المباشرة في لباس النساء، لكن القرارات غير المباشرة التي صدرت عن الحكومة طبقت وألزمت الطالبات بلباس الجلباب في المدارس بالإكراه.
والشهر الماضي قامت مديرية الاوقاف في مخيم النصيرات بالبدء بتنفيذ حملة الفضيلة، وفي الوقت ذاته قامت جامعة الاقصى بمدينة غزة بإصدار قرار بإلزام الطالبات بلباس الجلباب او العباية مع ان جامعة الاقصى لا يوجد بها أي فتاة لا تلبس الحجاب، وفي خان يونس قام عميد احدى الكليات الجامعية الحكومية بإصدار قرارا بإلزام احدى المعيدات بلباس الجلباب وتم تخيرها بين ذلك أو الوقف عن العمل.
التجربة اثبت ان التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الحركة والحكومة التي نفت أي تدخل في حياة الناس، وانها لم تفرض حملات فضيلة، وانها لن تلزم الناس، لم تكن حقيقية وظلت مجرد شعارات، وهنا يكون من حق الناس الخشية والتعبير عن قلقهم من ذلك، حيث لم يتم ترجمة تلك التصريحات بالالتزام بالقانون، وتطبيق ذلك على أرض الواقع.
وللإثبات بصدق تلك التصريحات يجب ان تخرج من كونها شعارات، لذلك من الضروري على الحكومة ان تكون صادقة في رؤيتها وإعادة النظر في خطابها الإسلامي القائم على أساس التلقين والإلزام والإكراه للناس على التدين والفضيلة، فمثل هكذا خطاب لن يستطيع محاكاة ومجاراة ثقافة العصر الداعية إلى احترام حقوق الإنسان والدعوة إلى الحريات الشخصية.
وفي ظل أجواء الحرية السائدة في العالم وفي ظل الثورات العربية، خاصة الحريات الفردية والشخصية، ومن حق كل انسان الاختيار الحر من دون خوف أو نفاق ناتج عن مصلحة أو إكراه من أحد في التدخل بشؤون حياته، فالحرية تعزز الوعي بالقيم الأخلاقية والسلوكية، مثل التسامح وقبول الاخر وحرية الضمير، واحترام انسانية الإنسان.
في المقابل فإن المجتمعات التي تغيب عنها الحرية والاختيار، عادة ما تغلب عليها مظاهر الكذب والنفاق والرياء، ويضطر الانسان إلى ممارسة عادات ورغبات وتوجهات و أهواء السلطة الحاكمة، بعيدا عن قناعاته الشخصية واختياراته الخاصة.
فالحرية هي تلك التي يغيب عنها الاكراه والإلزام والقيود التي يفرضها طرف على آخر، وقدرة الانسان على الاختيار، فالإنسان الحر هو القادر على تحديد خياراته في الحياة حسب قناعاته من دون إكراه او إلزام.
فأهمية حرية الاختيار والقناعة الشخصية هي تلك المتعلقة بحرية التدين والالتزام بالقيم والفضيلة، فإلزام النـــاس وإجبارهم على تطبيق الفضيلة بالقوة لن يكون مجديا وملزما، ويشكك في الجدوى من تحقيقها فعليا، فالشيخ محمد الغزالي في كتابه "خلق المسلم" قال " بأن الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل، كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن، فالحرية النفسية والعقلية اساس المسؤولية، والإسلام يقدر هذه الحقيقة ويحترمها وهو يبني صرح الأخلاق".
الإكراه والإلزام يؤديان إلى تظاهر التدين وليس التدين الحقيقي النابع من الانسان ذاته، لذلك فإن أي سلطة مهما حاولت لفرض رؤية محددة لمفهوم التدين والفضيلة على الناس بالقوة فإنها لن تنجح، لأنها تقف في وجه سنة من سنن الحياة، وهي التنوع والاختلاف، والتعددية المبنية على حرية الاختيار والاقتناع الشخصي الداخلي، ولا تستطع أي جهة فرض ذلك على الانسان، فالقوة الحقيقية للسلطة تكون في قدرتها على تهيئة اجواء الحرية والحق في الاختيار، حيث يكون من حق الانسان حرية اختيار التدين والالتزام بالفضيلة والقيم الدينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت