أسراب من الجراد تزحف إلى شرق مصر، وقد تصل إلى قطاع غزة في كل لحظة، ولا صحة لما يقال: بأن شبة جزيرة سيناء ستحول دون وصول الجراد، لقد وصل الجراد فعلاً في خمسينيات القرن الماضي، وشاهدنا أسرابه التي وقعت في فخ مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، حين كانت المخيمات في ذلك الوقت بلا جرادٍ جرداء، لا ماء ولا شجر ولا ثمر، ولا علامات بقاء، فجاء الجراد للناس بمثابة رحمة من السماء، حيث خرج ألاف اللاجئين الجائعين لاصطياد الجراد، والتهامه حياً وميتاً، فقد مثل للجائعين وجبة غذائية غنية بالبروتين.
الجرادة التي لم تقع بين فكي جائع في ذلك الوقت، فرت من قطاع غزة، بعد أن طاردها الناس بالعصي والحجارة، وبعد أن أزعجوها بالطرق على الصفيح، في ذلك الوقت كان الناس في قطاع غزة أخف وزناً، وأقل حزناً، كانوا غير مصابين بداء السمنة والمفاوضات، فلا سكري، ولا ضغط، وكان ما يشغل الناس هو توفير وجبة طعام لمرة واحدة فقط، ولكنهم يجمعون على أن أرض فلسطين واحدة، وهي ملك خالص للفلسطينيين، ولا حق لليهود بسنتيمتر واحد فيها، في ذلك الوقت لم يكن يوجد فلسطيني يتجرأ أن يقول: نعم للاعتراف بإسرائيل، أو: لا لمقاومة الإسرائيليين! في ذلك الوقت كان الجوع في المخيمات، وكانت الكرامة، كان الفقر وكانت الوحدة الوطنية، كان الشتات وكان الإجماع على ضرورة تصفية دولة الكيان الصهيوني.
قبل مئة عام، في شهر آذار مارس سنة 1915، هجم الجراد على فلسطين، واستمر في هجومه حتى شهر تشرين الاول أكتوبر من نفس السنة، لقد غطى الجراد كل ما تصل إليه العين من حقول، ولم ينج من هجوم الجراد إلا عدد قليل جداً من الأشجار، بينما دمر بشكل كامل محاصيل الخضار، والبطيخ والمشمش والعنب والزيتون.
لقد جاء في تقرير الصندي التايمز: أن الفلسطينيين قد صنعوا الحفر في الارض، كأفخاخ ليقع فيها الجراد الزاحف، في ذلك الوقت قررت الحكومة العثمانية على كل رجل تسليم 22 كيلو من الجراد.
اليوم يغزونا الجراد وبيننا من لا يشغلهم كيف يوفرون وجبة الطعام، وإنما يشغلهم كيف يصرفون ما تراكم في أحشائهم من طعام!
اليوم يغزونا الجراد الذي لم تتغير عاداته، وما زال موحداً في هجماته، لنواصل نحن الانقسام في فلسطين بين مؤيد لبقاء الجراد، وبين معترض على وجوده؟
لماذا ننقسم في فلسطين على وسائل تصفية الجراد وإبادته؟ لماذا يشق بعضنا الصف وهو يقول: الجراد ليس آفة، ولا عداء لنا مع الجراد، وقد مر على مصر والأردن ووقع معهم المعاهدات، والجراد في طريقه إلى السعودية وباقي بلاد العرب؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت