فشل نتنياهو في تشكيل حكومته هل يؤجل زيارة أوباما

بقلم: غازي السعدي

مقال تحليلي

فشل نتنياهو في تشكيل
حكومته هل يؤجل زيارة أوباما؟

لأول مرة منذ سنوات يفتح سياسيون ومعلقون وصحفيون وكتاب أعمدة النار على حكومة "نتنياهو"، وتحميله المسؤولية عن الأوضاع السياسية والأمنية وعزلة إسرائيل الدولية، بسبب السياسة التي تتبعها الحكومة تجاه الفلسطينيين؟ فقد اختلطت الأوراق والتخبط وأدت إلى اشتعال الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدأت بتدهور أوضاع الأسرى، منهم المضربون عن الطعام لفترات طويلة، وكانت القشة التي قصمت ظهر الاحتلال هو إعادة اعتقال الأسرى الذين حرروا في صفقة "غلعاد شاليت"، بعد أن أقامت إسرائيل الدنيا لتحريره، وهذا يؤكد للمرة .... أن إسرائيل لا تحترم الاتفاقات، وكل ذلك يحدث وإسرائيل تعاني أزمة حكم، وعدم تمكن "نتنياهو من تشكيل حكومته الجديدة حتى اليوم، وعشية زيارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" غير المرغوب بها إسرائيلياً إلى المنطقة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الأميركي في ولايته الثانية إلى الخارج، مما يضع إسرائيل في وضع حرج، لا يمكنها الخروج منه إلا من خلال اتفاق عادل مع الفلسطينيين، فهل يؤجل "أوباما" زيارته لفشل "نتنياهو" في تشكيل حكومته؟
دعوات إسرائيلية من شخصيات اعتبارية تطالب الحكومة الإسرائيلية بدفع عملية المفاوضات إلى الأمام، على أن تكون مفاوضات جدية، دون مماطلة، وانتقد البعض تعامل الحكومة مع السلطة الفلسطينية، واستغلال ظروف السلطة المالية المتدهورة، وحجز أموال الضرائب العائدة للفلسطينيين، وعدم نقلها إلى السلطة وفقاً لاتفاق باريس، وهذا الإجراء الإسرائيلي يتكرر في كل مرة تتعرض إسرائيل لاحتجاجات فلسطينية، فهي تريد لي ذراع أصحاب الحقوق الفلسطينيين.
النائبة "زهافا غلاون"- رئيس حزب ميرتس- تتهم "نتنياهو" بأنه يريد مفاوضات أبدية مع الفلسطينيين، ولا يعمل على إنهاء الصراع، ويدفن رأسه في الرمال، وأنه مستمر بسياسته الاستيطانية، وتحميله مسؤولية الأحداث التي اشتعلت مؤخراً، وحمل الجنرال المتقاعد "غيورا آيلاند"- رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق- الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن قرار الحكومة البناء في الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في المنطقة المعروفة "أيه-1" عزز هذا التوتر، إضافة إلى تجميد وعدم تحويل العائدات المالية من الضرائب للفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضرر- حسب رأيه- بقدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتغاضي الإسرائيلي الرسمي عن ممارسات المستوطنين، ومنظمة "دفع الثمن" الإرهابية، مما زاد من الغضب والإحباط لدى الفلسطينيين، ويرى "آيلاند" أن شرارة انتفاضة ثالثة بالأفق، ستكون سيئة لإسرائيل "يديعوت احرونوت 25-2-2013".
إن المراقبين الإسرائيليين يحذرون من أن مستقبل الأمن القومي الإسرائيلي مهزوز، على الرغم من قوة إسرائيل العسكرية، ويرى الخبراء بالأمن القومي الإسرائيلي، أن المواجهة العربية مع إسرائيل تبدأ بالشأن الفلسطيني، وتنتهي بنفي وجود إسرائيل، فالقوة العالمية الإسلامية- حسب هؤلاء الخبراء- تتعاظم، والوضع الإستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة آخذ بالتراجع، وقد يفرض تسوية في المنطقة لن تكون لصالح إسرائيل، إضافة لمفاجآت محتملة- حسب هؤلاء الخبراء- كهجوم بسلاح غير تقليدي إذا هاجمت إسرائيل النووي الإيراني، كما ينتظر إسرائيل محاكمة في محكمة الجنايات الدولية في "لاهاي"، وانخفاض في تأييد الولايات المتحدة في تبني المواقف الإسرائيلية، إضافة إلى موقف الاتحاد الأوروبي المندد بالسياسة الإسرائيلية، ويعتقد هؤلاء الخبراء بأن زيارة الرئيس الأميركي تمنح إسرائيل فرصة تاريخية للخروج من مأزقها.
وجاء في دراسة جديدة لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "19-2-2013"، بأنه يتحتم على حكومة إسرائيل استغلال زيارة الرئيس الأميركي للتوصل إلى إستراتيجية أميركية-إسرائيلية مشتركة، حيال الأحداث والتطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ومع وجود توافق بين الجانبين في الموضوع الإيراني، وحزب الله، والأسلحة السورية غير التقليدية، إلا أن المشكلة الخلافية مع الولايات المتحدة تتعلق بالمسار الفلسطيني، الذي يراوح مكانه، دون أن يطرأ عليه أي تقدم، وهذا يشكل مصدر الخلاف بين الجانبين، وإلى عدم الثقة بين "أوباما" و"نتنياهو"، كما أن إسرائيل تعيش حالة من الفزع، في أعقاب بعض التسريبات بأن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، سينشر تقريراً يتعلق بوضع دولة فلسطين، بعد حصولها على عضوية دولة مراقب، وإدانته بشدة لقرارات إسرائيل الاستيطانية، وتخوف إسرائيل من انضمام فلسطين للمنظمات التابعة للأمم المتحدة، وبخاصة محكمة الجنايات الدولية في "لاهاي"، فإسرائيل تحاول منع نشر هذا التقرير أو على الأقل تخفيفه.
إن الحديث عن انتفاضة ثالثة، يشغل جدول أعمال السياسيين الإسرائيليين ووسائل إعلامهم، فالجيش الإسرائيلي يستعد لإخماد اندلاع الانتفاضة، ورئيس أركان الجيش يصدر تعليماته إلى قيادات الجيش باستكمال الاستعدادات تحسباً لوقوع تطورات خطيرة، والقيادة الإسرائيلية تتهم القيادة الفلسطينية بتأجيج الخواطر، وقد تفقد سيطرتها على الموقف، وكل ذلك يحدث على أثر استشهاد "عرفات جرادات" تحت التعذيب أثناء اعتقاله، إضافة إلى إضرابات الأسرى داخل سجون الاحتلال، أما الحكومة الإسرائيلية فقد أصدرت توجيهاتها إلى القيادة العسكرية، للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس في حال استمرار المظاهرات الاحتجاجية في الضفة الغربية، وتروج بأنها ستقوم بمبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين، مثل إطلاق سراح أسرى، وخطوات لبناء الثقة، قبل وصول الرئيس "أوباما"، بينما جهات إسرائيلية أخرى تفضل إرجاء هذه المبادرات، وتوقيتها مع زيارة الرئيس الأميركي، في الوقت الذي يواصل "نتنياهو" دفع ضريبة كلامه عن السلام، ومواصلته للاستيطان، خاصة في القدس الشرقية، بينما ينادي اليمين الإسرائيلي المتطرف بعدم الاكتراث بالشأن الفلسطيني، ويدعو الحكومة للاهتمام فقط بالشأن الإسرائيلي، وفي هذه الأثناء فإن جهات إسرائيلية تتهم الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بتشجيع أعمال الشغب في الأراضي الفلسطينية، وحسب جريدة "معاريف 25-2-2013"، فإن السلطة الفلسطينية تعمل على تسخين الأجواء، قبيل زيارة الرئيس الأميركي، أما الرئيس الفلسطيني فإنه يتهم الإسرائيليين بدفع الفلسطينيين إلى الفوضى، و"عباس" يرد عليهم بأنه يريد سلاماً لشعبه، وحرية للمعتقلين، مؤكداً "أنهم يحاولون جرنا لمخططاتهم"، ففي أعقاب موجة الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية، على الاحتلال والأوضاع الاقتصادية والاستيطانية وقضايا الأسرى، ومن أجل امتصاص الغضب الفلسطيني، أفرجت إسرائيل عن أموال الضرائب، وهذه الوسيلة تلجأ إليها في كل مرة ضمن سياسة العصا والجزرة، فحجز الأموال تؤدي إلى استحالة قيام السلطة بدفع الرواتب، وبخاصة لأجهزة الأمن الفلسطينية، التي تعمل على فرض الأمن بين إسرائيل والضفة الغربية، وهذه ورقة قوية بأيدي الفلسطينيين، إذ أن التهديد بالتوقف عن التنسيق الأمني لا تتحمله إسرائيل، والسؤال لماذا أفرجت إسرائيل عن أموال الضرائب؟
وزير الجبهة الداخلية "آفي ديختر"، يقول بأن الانتفاضتين السابقتين وقعتا إثر سقوط عدد كبير من القتلى الفلسطينيين أثناء المظاهرات الاحتجاجية، وحذر من أن يصبح الوضع الحالي وصفة مؤكدة لانتفاضة قادمة، متهماً الفلسطينيين بالظهور في صورة الضحايا، فـ "نتنياهو" الذي يطالب السلطة الفلسطينية بمنع التحريض والعنف، عليه أن ينظر إلى عنف جيشه وتحريضه، وإرهاب المستوطنين، وهو لا يدري بأن الاستيطان- وخاصة في القدس-هو استفزاز للفلسطينيين والتحريض بعينه، ووفقاً لجريدة "هآرتس 27-2-2013"، فإن الإعلام الإسرائيلي يشجع الفلسطينيين على انتفاضة ثالثة، وعنف متجدد، ويطالب بأن يكون الرد الإسرائيلي رادعاً لا ضعف فيه، وحازماً غير لين، فإسرائيل تريد نشر الفوضى لإدخال الفلسطينيين في طريق مغلق، والسيطرة على الأراضي الفلسطينية من جديد.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "جبريل الرجوب"، وفي مقابلة له مع الإذاعة الإسرائيلية، خاطب الرأي العام الإسرائيلي باللغة العبرية، بأسلوب ذكي وواضح، موجهاً كلامه إلى قوى السلام في إسرائيل، بأسلوب معتدل، عارضاً معاناة الفلسطينيين وقضية الأسرى وجرائم المستوطنين، متهماً اليمين الإسرائيلي بمحاولة جر الفلسطينيين إلى وضع تسفك فيه الدماء، ونادى بانتفاضة مشتركة، وربيع مشترك، بين الفلسطينيين وقوى السلام الإسرائيلية، الذين يؤمنون بالسلام والتعايش وحل الدولتين.
هناك نقاش عارم بين الفلسطينيين: هل لنا مصلحة بانتفاضة ثالثة؟ هناك من يؤيد، وهناك من يعارض، ويجب إجراء حسابات الربح والخسارة، فإذا كانت انتفاضة عام ألفين، المشهود بقوتها، لم تؤد إلى إنهاء الاحتلال، فهذا يتطلب البحث عن أساليب جديدة، وقد تكون المقاومة الشعبية لها نتائج أفضل، بينما تحاول جهات إسرائيلية جر الفلسطينيين إلى انتفاضة مسلحة، تؤدي إلى اجتياح إسرائيلي واسع للأراضي الفلسطينية، فكيف لو قام الفلسطينيون باللجوء إلى ورقتهم الأقوى، ألا وهي حل السلطة، وتحميل إسرائيل الأعباء المترتبة على ذلك، وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل.
وأخيراً ... ماذا يريد "نتنياهو"؟ وإلى أين يقود شعبه؟ إنه مخادع وكل همه البقاء في سدة الحكم، ويخطئ من يعتقد بأن "نتنياهو" يغير جلده وأهدافه من مسيرة التسوية السياسية مع الفلسطينيين، رغم محاولته الحديث كثيراً عن السلام لفظاً، لكنه يريد أن يبقى كحامي حمى ما يسمى بأرض إسرائيل وأمنها، مع أنه بحاجة لشركاء في الحكم، مقبولين أميركياً وأوروبياً، ليكونوا ورقة التوت لتغطية عورته.
رئيس تحرير جريدة "هآرتس 28-2-2013"، "برادلي بيرستون" وهو يهودي أميركي ومواطن إسرائيلي كتب على موقعه الإلكتروني:"إنني أدرك الآن أن الاحتلال عبودية، كما أدرك بأن "أبراهام لينكولن" يذكرنا بالحكمة بأنه ألغى العبودية في بلاده، وعلى إسرائيل أن تلغي الاحتلال، فالاحتلال عبودية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت