قليلا ما تبكي الشعوب قادتها، حتى في الحالات التي لا يكون هؤلاء أشداء أو قساة على تلك الشعوب، منذ زمن بعيد لم نر شعوبا تبكي رئيسا بغض النظر عن طريقة موته، وقلة هم الرؤساء الذين بكتهم شعوبهم ولا زالت ذكرياتهم في البال.
كنا صغارا عندما توفي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لم نَكُ ندرك من هذا الرجل إلا لِماما، إلا أننا أدركنا ماذا يعنيه جمال عبد الناصر بالنسبة للآباء والإخوة الكبار وكل الوطنيين في هذه الأرض ، وسرنا طويلا ولساعات في جنازات رمزية مع السائرين.
منذئذ، لم نر سوى الشعور ربما "بالراحة" عندما يختفي هذا الرئيس أو ذاك القائد أو عندما يغادرنا أحد هؤلاء الذين "دوخوا" الناس ظلما وعذابات.
وظل الحال هكذا على الأقل إلى ان انتقل إلى العلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما بكته الجماهير التي كانت تتابع أخبار مرضه لحظة بلحظة في جل أماكن تواجدها، حتى مع اختلافهم معه.
وحدث ما يشبه ذلك مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي ترك خلفه شعبا أنهكته أحوال الحروب والغزو والعدوان، برغم قسوة الرجل وحكمه الذي كان في بعض من فتراته من أكثر الأنظمة قسوة.
بالأمس، تكرر المشهد النادر، حيث شاهد العالم كيف يبكي الشعب الفنزويلي الصديق رئيسه الذي غيبه المرض، لقد كان المشهد رهيبا في الشوارع التي سار فيها نعش أحد أكثر القادة العالميين شجاعة في مواجه قوى الشر والعدوان، كما وأحد الذين لم يترددوا عن العمل بما تفرضه عليه قيمه ومبادئه خلال العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، حيث لم يتردد في طرد سفير دولة الاحتلال من بلاده احتجاجا على الجرائم التي يرتكبها جيش الكيان ضد الناس العزل في القطاع.
شافيز الذي نقل بلاده من "ماخور للفساد" والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية، ليحقق في تلك البلاد ما لم يتحقق منذ عقود، ذهب إلى العلى،إلا انه أبقى على جذوة الثورة في فنزويلا، وترك قيما ومبادئ عجز عن تركها العشرات لا بل المئات من الرؤساء الذين "عبروا" بدون ان يتركوا سوى العار في بلادهم.
كانت الجماهير وخاصة المسحوقة منها في شوارع المدن الفنزويلية في حالة من الحزن الشديد،تبكي قائدا عظيما خرج من بين صفوفها وعانى ما عانته تلك الجماهير وذاق مرارة العيش وقسوة الظلم كما وقهر السجن الذي أمضى به عامين بعد ان حاول القيام بانقلاب هناك.
لقد عاش شافيز نصيرا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولهذا كانت ردة الفعل في الشارع الفلسطيني كما شاهدنا، لقد كانت الجماهير الفلسطينية كما الأحزاب والفصائل "مصدومة" لهذا المصاب الذي أصاب فلسطين وشعبها في الصميم، ومن هنا لم يكن غريبا ان يعم الحزن الشارع الفلسطيني الذي اعتبر الرجل من اشد المناصرين لحقهم في تقرير مصيرهم.
الوحيدون الذين "هللوا" لغياب هذا البطل العالمي، هم أبناء صهيون، وكان ما كتب من تعليقات على رحيل الرجل في العديد من المواقع الاليكترونية، دليلا على حقد هؤلاء على كل من يمكن أن يقف مع الحق الفلسطيني.
الرحمة لشافيز والصبر لشعبه وعائلته كما ولشعب فلسطين وقضيته العادلة
07-03-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت