بينما كنت أُدرّس لابني الذي هو تلميذ بالصف الأول الابتدائي ،في مادة العلوم والتي لا يستوعب محتواها ومضمونها أولئك الأطفال الأبرياء مهما كانت عبقريتهم ،وهم في ألفٌ باءٌ المرحلة التعليمية ،المهم كان يُدرّس عن تركيب النبات والذي هو جمعٌ لكلمة نبتة،ورغم أن الموضوع سابق لأوانه بكثير فهم ليسوا طلابا بكلية الزراعة ولا هم خبراء في الهندسة الزراعية ،وبدلا من تأسيس طلابنا على كيفية تركيب وتحليل الكلمات حتى يتمكنوا من القراءة والكتابة الحقة، وبدلا من التركيز على الجانب المعرفي المتعلق بعمليات بسيطة للجمع والطرح في الرياضيات إلا ان من هم أصحاب القرار في المناهج الدراسية عازمون بقصد أو بدون قصد على تشتيت ،وازدياد تضخيم نسبة الأمية وليس التعليم في بلاد العرب أوطاني !! المهم أني سواء انتقدت أم لم أنتقد فهناك أمرا واقعا لامحالة، وهو أن هناك اختبارا نهائيا في تلك المساقات المستوردة من الغرب الذي لا يريد لنا إلا كل خير !!ولذلك قد واصلت التدريس ،رغما عن أنفي وأنف جميع أولياء الأمور،وانف المعلمون ،وما أكثر الأنوف الذين تقاعسوا في هذا الشأن ورضوا بسياسة التجهيل!! ،نحن حقيقة نعترف وبكل جرأة و خزي جميعا مقصرون ولسنا على قدر المسئولية لأننا نعلم خطورة الموقف التعليمي ، ولكن دون أدنى حراك يمكن إجراؤه من قبلنا !!نحن الذين لا نحاسب أبنائنا إلا بعد ظهور النتيجة النهائية آخر العام !!،ولا يعنينا ماذا يدرس الأبناء ، وعودة سريعة للموضوع ،حيث كانت الأمور واضحة وعادية ولكن ما أن توغلت مع طفلي الصغير في تصنيف النبات من حيث الأوراق والسيقان والبذور والجذور..أقصد الجذور النباتية ،وليست رواية الجذور تلك الملحمة التاريخية لعائلة أميركية" في عالمنا المعاصر بالانجليزية: Roots: The Saga of an American Family) رواية تاريخية ألفها " أليكس هيلي" ونشرت لأول مرة عام 1976. ثم أنتجت مسلسلا تلفزيونيا باسم "جذور" عام 1976.
،وهنا بدأت الأمور بالنسبة لي تزداد صعوبة في نقل وتوصيل المعلومة شيئا فشيئا فشعرت وكأن قدماي تغوص شيئا فشيئا نحو الأعماق في كبد البحر ،فلو فسرنا لأولئك الصغار النبات الذي نأكل أوراقة كالملوخية ،والسبانخ ،والخس والزعتر وغيره ، لما وجدنا أي التباس في توضيح تلك المعلومة ،لكن الذي استوقفني حقا ،..ومع أني من الذين يعشقون العلوم ،هو عندما مررت بفقرة صغيرة عن النبات الذي يؤكل سيقانه مثل القصب والبقدونس والخبيزة ،كان أمرٌ عادي للقصب أن أمرره في أن تؤكل سيقانه،فهو كله سيقان .. ولكني توقفت ،وما انتقدته فعلا هنا هو كيف تم دمج البقدونس ،والخبيزة وتصنيفهما لتلك العائلة السيقانية وهنا عندي رأي مخالف مع شديد احترامي لكل القائمين على العملية التربوية وأخص بالذكر واضعي المناهج التربوية
أليس من السهولة وعدم تشتيت وتجهيل صغارنا أن نصنف كلا من البقدونس والخبيزة إلى فصيلة النبات الذي تؤكل أوراقه وعروقه الصغيرة فنستبعد كل السيقان ؟! أما يكفينا السيقان الطويلة والقصيرة العارية، والتي تطاردنا على كل الأروقة وغالبية وسائل الأعلام ؟!!
عموما المناهج التعليمية في عامنا العربي تحتاج إلى إعادة صياغة وتغيير نسبي ، بما يتناسب مع قدرات وإمكانيات وعقول أطفالنا وبما أن كثير من النبات لا ينمو ويموت عند نقله من تربة إلى أخرى جديدة كذلك ما تصلح زراعته في اليابان أو الصين أو في أرض العم سام ليس بالطبع يمكن له أن ينمو في بلادنا ،والغريب أننا في الدراسة الأكاديمية الجامعية نجد كثيرا من الطلاب يدرسون مساق " التربية المقارنة "،إذا أين الفائدة التي يمكن ان يعم خيرها للجميع طالما ليس لها أي وجود في واقعنا ؟! ولا أستبعد بعد التأكد من عدم مقدرة صغارنا على استيعاب الجذور والسيقان ،وخلط الأمور ان يدرسوا رغما عنهم عما قريب النظرية النسبية لأينشتاين !!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت