حكومة اللاخيار: تركيع ولي ذراع نتنياهو

بقلم: غازي السعدي


يبدو أن أزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في طريقها إلى الانفراج، في أعقاب نجاح تحالف حزبي "يوجد مستقبل"- برئاسة "يئير لبيد" وله (19) مقعداً في الكنيست- والبيت اليهودي برئاسة "نفتالي بينيت" وله (12) مقعداً، وبعد فشل "نتنياهو" بوضع إسفين بين هذين الحزبين، وفك التحالف بينهما، اضطر للاستجابة لشروطهما، باستبعاد الحزبين المتدينين "الحراديم"، شاس لليهود الشرقيين، ويهدوت هتوراة لليهود الاشكناز، ولهما (19) مقعداً في الكنيست، هذان الحزبان اللذان يعتبران حلفاء تاريخيين للأحزاب الحاكمة، والداعمين للحكومة التي يشاركون بها أمام الهزات الحزبية والسياسية، ومريحون جداً لسياسات رؤساء الحكومات، فإن المكلف بتشكيل الحكومة "بنيامين نتنياهو"، رضخ للحزبين آنفي الذكر، وبالموافقة على تحميل أعباء الخدمة العسكرية على الجميع، بينما كان المتدينون من الأحزاب المذكورة، يتمتعون بموازنات كبيرة لمدارسهم الدينية، وإعفاء طلابهم من الخدمة العسكرية، بل يخصص لهؤلاء الطلاب رواتب شهرية، ومع إزالة هذه العقبة أمام تشكيل الحكومة لم يكن أمام "نتنياهو" خيار آخر، فحسم أمره بالاستغناء عن الأحزاب الدينية، وأصبحت الطريق شبه سالكة أمامه لتشكيل الحكومة، بعد أن استنفد "نتنياهو" الـ (28) يوماً المخصصة لعملية التشكيل حسب القانون وبتكليف من قبل رئيس الدولة، اضطر للحصول على (14) يوماً إضافية لإنهاء عملية تقديم الحكومة إلى الكنيست أما إذا فشل في عملية التشكيل بعد هذه الفترة فيكلف مرشح آخر بتشكيل الحكومة، فـ "نتنياهو" الذي تخلى عن الأحزاب الدينية في تشكيل وزارته اضطر لتشكيل حكومة "اللاخيار"، وهذه ليست الحكومة التي كان يريدها، مع أنه لوح بانتخابات جديدة، إلا أن استطلاعات الرأي العام أشارت إلى تراجع شعبية حزبه الليكود إلى (26) مقعداً، بينما لهما حالياً (31)، مقابل صعود حزب "يوجد مستقبل" إلى (31) مقعداً، والبيت اليهودي إلى (13) مما سيؤدي إلى تحول في الخارطة الحزبية-السياسية الإسرائيلية.
إن وضع "نتنياهو" في أعقاب انتخابات الكنيست التي جرت قبل شهرين أصبح مهزوزاً، وفقد كبرياءه حتى داخل حزبه، والسؤال: هل الاتفاقات الائتلافية التي تجري وتوقع بين الأحزاب التي تشارك في الحكومات ملزمة؟ أم شهادة يجري تعليقها على الجدار؟ فالاتفاق الائتلافي في العرف السياسي-الإسرائيلي، لا يعدو وثيقة توقعها الأحزاب المشاركة في الحكم، تتضمن دور وحجم كل حزب، والتشكيلة الحكومية، وتوزيع الحقائب الوزارية التي ستتولاها الأحزاب الموقعة على الوثيقة، وإلى اللجان البرلمانية، والهيئات الحكومية والمؤسسات العامة التي ستوكل رئاستها لممثلين عن الأحزاب الموقعة، كذلك تشمل الخطوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية العريضة التي على الحكومة العمل على أساسها، لكن وحسب التجارب السابقة، فإنه لا قدسية لهذه الوثائق الائتلافية، وفي كثير من الأحيان يجري اختراقها وتجاوزها، ونستشهد بقول لـ "إسحاق شامير" رئيس الحكومة عام 1988، الذي قال عن الوثيقة لوزير العدل آنذاك: "علقها على الجدار، أو ضعها في المتحف"، وأضاف أنه:" من أجل أرض إسرائيل يمكن أن نكذب".
إن "نتنياهو" أراد تشكيل ائتلاف حكومي واسع، غير أن حلف "لبيد"-"بينيت" أفشل مخططه، وكما تشير المعلومات، فإن حكومة "نتنياهو" ستشكل من قبل حزبه الليكود- بيتنا ولهما (31) مقعداً في الكنيست، ومن حزب "يوجد مستقبل" الذي له (19) مقعداً، انضم إليه حزب كديما الذي له مقعدين ليصبح مجموعها (21) مقعداً، وحزب "البيت اليهودي" وله (12) مقعداً، وحزب "الحركة" وله (6) مقاعد، وبهذا يصبح عدد أعضاء الائتلاف (70) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست ليحصل على الثقة بسهولة.
إن حكومة "نتنياهو" الحالية تضم (30) وزيراً، إضافة إلى سبع نواب وزراء، وهذا عدد كبير يزيد في أعباء الموازنة، مما دفع بـ "يئير لبيد"- حزب "يوجد مستقبل"- للطلب باختصار عدد الوزراء إلى (18) وزيراً، غير أن "نتنياهو" يريدها (28) لإرضاء وزراء حزبه السابقين، وقد تتوصل الأحزاب المشاركة في الائتلاف بعد مساومات إلى التوصل بين (20) إلى (24) وزيراً، لتصبح الكوتا بمعدل وزير لكل ثلاثة نواب كنيست، لكن هناك بعض المشاكل في توزيع الحقائب، إذ أن "يئير لبيد" يريد الخارجية، لكن "نتنياهو" يريد حفظها لـ "أفيغدور ليبرمان"، إلى ما بعد محاكمته التي يصر عليها، إذا برأته المحكمة من تهم الفساد، فعرض على "لبيد" وزارة المالية والتي لا يرغب فيها ونائب رئيس الوزراء ، إذ أن أكثر الانتقادات والأزمات الاقتصادية والهجمات توجه إلى وزير المالية وهذه وزارة تفقده شعبيته، فإذا لم يقبل بها فقد تعرض على "نفتالي بينت"، وقد عرض على "لبيد" وزارة الداخلية مع توسيع صلاحياتها، فالوزارات السيادية ستسند إلى "ليبرمان" للخارجية و"موشيه يعالون" للحربية"، و"يئير لبيد" أو "نفتالي بينت" للمالية، أما حزب "الحركة" فقد أسند إلى "تسيفي ليفني" وزارة العدل واللجنة الوزارية التشريعية إضافة إلى ملف المفاوضات، لكن هناك بعض المعارضة لها، وسخط داخل الليكود على إسناد هذه الحقيبة لـ "ليفني" إضافة إلى ملف المفاوضات، واللجنة الوزارية التشريعية، التي من شأن "ليفني" أن تحول دون تشريع القوانين العنصرية -على حد زعمهم- حيث كانت الكنيست السابقة قد أقرت قوانين عنصرية لم يسبق لعددها مثيل من قبل، ويبقى هناك بعض الخلافات التي ما زالت عالقة، مثل الموازنة العامة للدولة، وتقليص موازنة الاستيطان التي تستنزف 9% من مجموع الموازنة، الزواج المدني، تسيير حافلات النقل أيام السبت، إلا أن البرنامج السياسي للحكومة لم يبحث، وإذا بحث فإنه لم يتسرب عنه شيء.
أما الغريب في التحالف القائم بين يوجد مستقبل ، والبيت اليهودي، فهو أن الأول مع العملية السياسية للقضية الفلسطينية بينما الثاني-الذي يعتبر ممثل المستوطنين، فإنه يعارض ذلك، كما يعارض تفكيك مستوطنات، ولا يؤيد المسيرة السياسية، واحد لا يعرف سر هذا التحالف بينهما رغم التناقض في موقفيهما.
في نظرة سريعة على زيف الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة، ومن هم حكام إسرائيل، وكيف يصلون إلى الحكم وصنع القرار، فقد كُشف كما يُكشف في كل انتخابات، عن فضائح فساد وسمسرة وشراء الأصوات بالمال، وبخاصة في الانتخابات التمهيدية "البرايمز" التي تقود المرشح للوصول إلى مكان مضمون في قائمة المرشحين للكنيست، ووجود مقاولين مهمتهم شراء الأصوات، فالمستشار القانوني للحكومة، إضافة إلى محققي الشرطة، يقومون في هذه الأيام بإجراء التحقيقات مع عدد من الأحزاب والمرشحين، كذلك وحسب جريدة "يديعوت 27-2-2013"، فإن أجواء العمل في مكتب رئيس الوزراء عكرة للغاية، فهناك استقالات وتهديدات وتشويهات سمعة، وتحريض الواحد على الآخر، والتحقيقات جارية مع عدد من المسؤولين، فإذا كان هؤلاء الذين يحكمون وصلوا إلى هذه المناصب عن طريق الرشوة والفساد، ويتخذون القرارات الحاسمة، فهذه هي إسرائيل من الداخل وهؤلاء حكامها، فهذه الحكومة معرضة لأزمات متوالية داخلية وخارجية، من شأن ذلك إدخال الحكومة في أزمات، وتقصير عمرها، فرئيسة حزب العمل "شيلي يحموفيتش"، التي رفضت الإغراءات، بضمها إلى الائتلاف الوزاري، تعتبر أن الطريقة التي يقود بها رئيس الوزراء "نتنياهو" إسرائيل، سوف توصل الدولة إلى الهاوية، وأن زيارة الرئيس "باراك أوباما" لإسرائيل، وإجراء مباحثات في العملية السياسية، وإيجاد الشروط المناسبة لاستئناف المفاوضات، وحسب "شيلي"، فإن هناك حاجة لمعجزة من السماء لكسر الجمود السائد في المسيرة السياسية مع الجانب الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت