كنت أشاهد دبابات وجنود وجرافات الاحتلال التي كانت تهدف من وراء هذه العملية التي تبث مباشرة على شاشة الجزيرة ليس فقط لاعتقال الأمين العام ورفاقه وإنما لدب الرعب بنفوس المشاهدين سواء كانوا فلسطينين أم عرباً.
ليس هذا الموضوع بحد ذاته، كنت أبحث عن تصريحات للمسؤولين الفلسطينيين وبالأخص تصريحات الصف الاول من القيادة الفلسطينية، حيث أن الرئيس الفلسطيني بتلك الفترة كان خارج فلسطين بجولة بأوروبا، لم يقطع الرئيس الفلسطيني زيارته ليعود إلى أرض الوطن، فهمست بصوتٍ عالٍ وسمعني من كان عندي، عار عليك يا أبو مازن ألا تعود إلى الوطن والكرامة الفلسطينية تداس، عار على من لا يحافظ على كرامته، الرئيس الفلسطيني بالطبع لا يمكنه أن يصد دبابات الكيان الصهيني وأن يمنعها من اقتحام السجن واعتقال من به، ولكن العار عندما يرضى الرئيس السكوت أو التزام الصمت أمام ما يحدث.
كما قلت الرئيس ليس بامكانه أن يمنع دبابات الكيان الصهيوني من اقتحام السجن واعتقال من به، ولكن السؤال الذي بقي يراودني حتى اللحظة لماذا الرئيس لم يقطع زيارته ويعود إلى أرض الوطن ليكون على قرب من الحدث، قد يقول أحد أن الرئيس أجرى اتصالاته برؤساء العالم لمنع هذا العدوان الاسرائيلي وهي نفس الخطوة التي سيقوم بها لو كان بالوطن، فهذا الادعاء باطل ويعتبر هروباً من المسؤولية.
كان يرافق الرئيس كبير المفاوضيين الفلسطينين صائب عريقات، وهذا الغياب ليس لحث دول العالمي للضغط على الكيان الصهيوني للالتزام بالعملية السلمية والمفاوضات العبثية التي لم تاتِ للفلسطينين إلا بمزيد من التنازلات عن الثوابت والحقوق الفلسطينية، وهذا الغياب برفقة صائب عريقات زادت من شكوكي حول معرفة القيادة الفلسطينية المسبقة باقتحام السجن واعتقال من به، رغم نفي القيادة الفلسطينية بعلمها، حيث كذبها قادة الكيان الصهيوني، كذلك كذبتها الادارتين الامريكية والبريطانية عندما صرحت القيادة الفلسطيني أنها فوجئت بمغادرة المراقبين لسجن أريحا المركزي.
القيادة الفلسطينية ليست فقط مهادنة وتتنازل عن الثوابت الفلسطينية فقط، وإنما فقدت مصداقيتها بكل المعاني وبكل الساحات، فما أن يدلي أحد المسؤولين تصريحاً إلا وتخرج الإدارة الأمريكية والبريطانية لتكذب ما يقوله المسؤول الفلسطيني، صدقت أمريكا وبريطانيا بإحاطة السلطة الفلسطينية مسبقاً بالخطوات التي أدت إلى اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
رغم محاولات السلطة الفلسطينية تبرير اعتقالها لقادة الجبهة الشعبية إلا أن الأحداث اللاحقة أثبتت عقم هذه الادعاءات الباطلة، فالسلطة الفلسطينية هي بالواقع أداة لتنفيذ مخطط صهيوني من خلال توقيعها على اتفاق اوسلو التآمري، وإلا ما هي وظيفة السلطة الفلسطينية التي تتمسك بكل التزاماتها الأمنية اتجاه الكيان الصهيوني؟ هل هي لحماية الشعب الفلسطيني أم لتوفير الأمن والاستقرار للكيان الصهيوني ومستوطنيه الذين يعبثون يومياً بأملاك الفلسطينيين؟ وهل الأجهزة الأمنية قادرة على منع مستوطن صهيوني من قلع شجرة زيتون فلسطينية بقضاء نابلس أو الخليل؟ ليس بالضرورة اعتقال المستوطن وإنما منعه من قلع شجرة الزيتون، هل الأجهزة الأمنية معنية بحامية الشعب الفلسطيني وممتلكاته؟ أم معنية بتوفير الأمن والأمان للمستوطن الذي يهدد المواطن الفلسطيني؟ ليس بالضرورة أن أجيب، فالمواطن الفلسطيني بالداخل يعرف ذلك، لذلك لم يكن إطلاقاً اعتقال أحمد سعدات ورفاقه لحمايتهم أو لارتكابهم لجريمة قتل، وإنما لمواقفهم الوطنية والثورية التي أكدوا عليها بأن الكيان الصهيوني هو كيان غاصب ومحتل وأن جرائمه بحق شعبنا لن تمر مرور الكرام.
في ذكرى اختطاف الأمين العام ورفاقه واجب الوقوف أمام هذه الحدث لإستخراج العبر والدروس، وأولها أن استمرار الرهان على هذه القيادة بالعودة عن سياستها التفريطية هو رهان خاسر، وأن الاهتمام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن البديل لهذه القيادة وبرنامجها هو البرنامج الثوري القادر على استنهاض الجماهير وزجها بمعركة الحرية والاستقلال، وأن كل الجهود والامكانيات يجب تكريسها من أجل أكبر حشد جماهيري للتصدي للمخططات الصهيونية الرامية إلى المساس بالإنسان الفلسطيني وكرامته وأرضه وحقوقه، شعبنا يدرك جيداً بأن إزالة هذا الكيان لن تتم من خلال التنسيق الأمني، أو من خلال المفاوضات التي تراهن عليها القيادة الفلسطينية، وإنما تأتي من خلال النضال ثم النضال ثم النضال، وأن حماية شعبنا لن تتم إلا من خلال تكبيد هذا العدو الخسائر اليومية، فالعدو المدجج بالسلاح لن يلقي سلاحه إلا مرغماً، وأن كسب الجماهير وتعبئتها يجب أن تكون من أولويات اهتمام القوى الثورية بالساحة الفلسطيينية التي ترى بالجماهير الحاضنة الأساسية لانجازات الثورة والقضية.
جادالله صفا – البرازيل
14/03/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت