فلسطين وصية زايد لأحفاده

بقلم: جليلة رزاقي


القضية الفلسطينية ﻻ ﺗﺰال، ﺗﻤﺜﻞ ﺿﻤﯿﺮ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ والإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها وﻣﻦ اﻟﻤﺤﯿﻂ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ، وھﻲ اﻟﮭﺎﺟﺲ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻌﺮب ﻟﯿﺲ ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺔ واﻟﻘﻮﻣﯿﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻛﯿﺎن ﻏﺮﯾﺐ ﻛﺎن ﺳﯿﺸﻜﻞ رأس ﺣﺮﺑﺔ ﻟﻠﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻜﻲ ﺗﻮاﺻﻞ ﺳﯿﻄﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺪرات اﻷﻣﺔ وﻋﻠﻰ إرادﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪة واﻻﺳﺘﻘﻼل. وﻟﻢ ﺗﻜﻦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة، ﺑﻘﯿﺎدة اﻟﺸﯿﺦ المغفور له زاﯾﺪ بن سلطان آل نهيان إﻻ أﺣﺪ أرﻛﺎن ھﺬه اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻟﻮاء اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻗﻀﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أوﺗﯿﺖ ﻣﻦ ﻗﻮة، ﻟﺘﺒﻘﻰ ھﺬه اﻟﻘﻀﯿﺔ ﺣﯿﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس أھﻠﮭﺎ وأﺑﻨﺎء أﻣﺘﮭﺎ. وﻛﺎن ﺳﻤﻮه داﺋﻤًﺎ ﯾﻘﻮل: ( إن ﻗﻀﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ھﻲ ﻗﻀﯿﺔ اﻟﻌﺮب أﺟﻤﻌﯿﻦ، وھﻲ أﻣﺎﻧﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ أﻋﻨﺎﻗﮭﻢ. إن إﯾﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﻘﻀﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ إﯾﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﻌﺮوﺑﺘﻨﺎ ﺗﺎرﯾﺨًﺎ وﻧﺸﺄة وﻛﯿﺎﻧًﺎ وﻣﺼﯿﺮا).
وﻣﻨﺬ اﻧﻄﻼﻗﺔ اﺗﺤﺎد اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ، ﺷﻜﻞ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺔ واﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ دعما وسندا ودعما قويا لفلسطين وشعبها وهو أحد أﺑﺮز ﺛﻮاﺑﺖ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻠﺪوﻟﺔ الإمارات، ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺗﻨﻔﯿﺬًا ﻟﻠﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻟﻠﺸﯿﺦ زاﯾﺪ رﺣﻤﮫ ﷲ ﻓﻲ أن ﯾﻌﻤﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺴﺘﻌﯿﺪ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن ﺣﻘﻮﻗﮭﻢ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ، وﯾﺆﺳﺴﻮا دوﻟﺘﮭﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺑﮭﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ.
ولا يمكن اعتبار دعم دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ زايد لحقوق الشعب الفلسطيني أن تحصر في الخطابات السياسية، وحسب المتتبعين لشأن الفلسطيني الإماراتي يؤكدون أنه تعدى إلى الفعل المحسوس من خلال المساعدات المتنوعة والوفيرة التي قدمتها الدولة، وبتوجيهات من الشيخ زايد وخليفته الشيخ خليفة بن زايد إلى الشعب الفلسطيني لمساعدته على تخطي محنه.
وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول العربية التي بادرت إلى الاعتراف بدولة فلسطين فور إعلانها في 15 نوفمبر 1988 خلال خطاب ألقاه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر. وكانت دولة الإمارات نصيراً للمواقف الفلسطينية العادلة في المحافل والمنابر الدولية المختلفة، وبخاصة في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، حيث كانت دائماً تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المشروعة، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ومن الأمثلة المشرفة لمواقف دولة الإمارات العربية المتحدة السياسية بقيادة الشيخ زايد في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني موقف دولة الإمارات الحازم في وجه المجازر الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية (انتفاضة الأقصى) منذ اندلاعها في شهر سبتمبر 2000م احتجاجاً على انتهاك أرييل شارون لحرمة المسجد الأقصى. وقد دعا سموه (رحمه الله ) عند استقباله مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط السيد وليم بيرينز في أبوظبي يوم 14 يناير 2002م الولايات المتحدة باعتبارها الراعي الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط إلى تحمل مسؤولياتها لوضع حد للعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وتحدي إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتهديدها للأمن والسلام في المنطقة. وأكد سموه على أنه في إطار الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب يجب ألا يغفل الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين. وقد قدمت دولة الإمارات بتوجيهات من سموه المغفور له الشيخ زايد دعماً بلا حدود لنصرة نضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه الوطنية وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.
وفي المجال الإنساني، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة سموه تنفيذ العشرات من المشاريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة لدعم صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية في الأراضي المحتلة والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للمناطق الفلسطينية التي تحاول قوات الاحتلال طمسها. ومن الأمثلة كذلك ما قدمته دولة الإمارات من مساعدات عينية ومادية للشعب الفلسطيني من خلال هيئة الهلال الأحمر الإماراتية حيث كانت وفود الهيئة تقوم بزيارات ميدانية للمناطق الفلسطينية للإطلاع على احتياجات الشعب الفلسطيني وتلبيتها. وفي إحدى الزيارات التفقدية، قرر سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة للشؤون الخارجية ورئيس هيئة الهلال الأحمر، وبتوجيهات من الشيخ المغفور له زايد بن سلطان، تخصيص مبلغ عشرة ملايين درهم لإعادة تعمير وصيانة المباني التي تضررت نتيجة العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، كما تم افتتاح عدد من المشاريع التي تمولها الإمارات مثل مستشفى الشيخ زايد في رام الله والمستشفى الإماراتي الأردني في مدينة البيرة الذي تقيمه الخدمات الطبية الملكية الأردنية بتمويل إماراتي. كما وضع وفد الهلال الأحمر الإماراتي حجر الأساس لمشاريع تعميرية أخرى قررت الإمارات إقامتها في فلسطين. وقامت دولة الإمارات كذلك بتجهيز مستشفى الشيخ زايد للجرحى في رام الله بما تحتاجه من أجهزة ومعدات طبية كما أولت هيئة الهلال الأحمر اهتماماً خاصاً للمسجد الأقصى والقدس، حيث قررت الجمعية افتتاح عيادة للهلال الأحمر في باحات المسجد الأقصى وتم وضع حجر الأساس لبناية سكنية في منطقة مجاورة للقدس يتم وقفها لمصلحة مشاريع المسجد الأقصى وتتألف من سبعة طوابق بتكلفة باهظة وتخدم مائة عائلة مقدسية وهو المشروع الثاني الذي توقفه الجمعية للقدس. وفي غزة، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة الشيخ زايد في غزة لإيواء الفلسطينيين الذين هجّرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي وهدمت منازلهم في اعتداءاتها المتكررة على القطاع. وتكفل– المرحوم الشيخ زايد بإعادة إعمار مخيم جنين الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي ببناء 800 وحدة سكنية بتكلفة 27 مليون دولار.
كما كان لتوجهات الشيخ زايد الداعمة للشعب الفلسطيني أكبر الأثر في شحذ همم أبناء الإمارات ليهبوا لمساعدة إخوانهم في فلسطين من خلال جمع التبرعات والمساعدات العينية لتمكين أبناء الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضهم. كما ساهمت قناة أبوظبي عام 2003 في تنظيم حملة تبرعات للفلسطينيين على مستوى الوطن العربي وشاركت فيها شخصيات إعلامية وثقافية وسياسية مرموقة. وقد أسفرت الحملة عن جمع ما يزيد عن 120 مليون درهم أرسلت لتنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية في فلسطين.
وفي مناسبات عديدة، كانت قضية فلسطين والأحداث المتتالية التي شهدتها الساحة الفلسطينية تحتل مساحة مهمة من البيانات التي كان المجلس يصدرها في أوقات مختلفة. ففي مارس 1994، أدان المجلس الوطني الاتحادي في بيان له الجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطنون الإسرائيليون في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، وتعهد بإثارة هذه الجريمة البشعة في المحافل الدولية، وخاصة مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي كان مقرراً عقده في باريس في ذات الشهر، بهدف تعبئة الرأي العام ضد هذا العمل الغادر الذي يعد اعتداء صارخاً على حقوق الإنسان وإقامة شعائره الدينية في ظل ظروف آمنة. كما أصدر المجلس بياناً يعبر فيه عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته الشعبية جاء فيه
إن المجلس الوطني الاتحادي ... ليعرب عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وتأييده الكامل لهذه الانتفاضة المباركة التي تمثل نقطة تحول هامة في تاريخ النضال والصمود الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني ..

جليلة رزاقي
صحافية جزائرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت