الثورات العربية وغياب عوامل الاستنهاض الثوري

بقلم: عباس الجمعة


امام الواقع المأساوي الذي تعيشه المنطقة في ظل ما يسمى ثورات الربيع العربي التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية والتغيير الشامل، نرى المخاطر التي تتمثل في إعادة تشكيل كيانات الشرق الأوسط الجديد وأنظمته وفق المخطط الصهيوأميركي الذي يؤدي إلى المحافظة على وجود وأمن الكيان الصهيوني ، واليوم يكبر السؤال الذي يتردد على كل الألسنة، كيف يبدو مشهد ما سمي الربيع العربي بعد أن انقلبت شعارات ثوراته جميعها إلى مضاداتها نتيجة سيطرة الإخوان المسلمين وما فرخته من أحزاب وتنظيمات بأسماء وعناوين في الأغلب ليست إسلامية للتمويه على دورها ومخططاتها التي تنفذها بدعم استعماري لنهج التطرف التكفيري .
ومن هنا يبدو غياب عوامل الاستنهاض الثوري الذاتي، وخاصة دور الاحزاب التقدمية والقومية العربية، نتيجة حالة الترهل والضعف ، وهي غير مؤهلة حتى اللحظة لأخذ زمام المبادرة .
إن النمو المضطرد لما يعرف بـ"الإسلام السياسي"، فقد أصبح جزءاً من الحياة السياسية العلنية في العديد من البلدان العربية، حيث تم الاقرار بمشروعية جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة والحركات والأحزاب السلفية لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاماً ، وبالتالي ، فإننا لا نستطيع الحديث عن رؤية برنامجية للمرحلة الجديدة، إذ أنني اعتقد أن المشهد السياسي العربي الراهن اعطى فرصة ذهبية لعبور الإسلام السياسي ، حيث نجحت القوى الدينية في التفاعل والانتشار في المنطقة في ظل غياب تأثير الأحزاب العربية، وبدعم مباشر وغير مباشر من الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية وبعض الأنظمة العربية، حيث يتم استخدام الدين السياسي ، كأداة مصالحة مع الواقع المرير وأدواته الطبقية ، الرأسمالية، الداخلية والخارجية ، خاصة وأن هذه الحركات لا تتناقض أبداً مع النظام الرأسمالي بل تعتبر نفسها جزء لا يتجزأ منه ، ولكن بمنطلقات إسلامية عبر ما يسمى بـ"دولة الخلافة" أو الأمة الإسلامية.
وامام هذا الواقع الخطير نرى اهمية استنهاض طاقات الاحزاب العربية التي يجب ان تنتصر للمبادئ والأهداف التي رفعتها وتتصدى لقوى الثورة المضادة التي حولت ربيعها العربي الى دم عربي ، حيث ان المعركة لا تقل شراسة وعدوانية عن النظم الشمولية وأجهزتها القمعية ، وهذا يتطلب من الاحزاب التقدمية والقومية وجماهيرها ان تتسلح بإرادة قوية وفكر ناضج للمواجهة والتعامل مع هذه القوى التي تحاول سرقة مكتسبات الثورات وتسخيرها لمصالحها وأسيادها ، بهدف حرفها عن أهدافها التي نهضت لأجلها ، كما تم ابعادها عن القضية المركزية الام قضية فلسطين .
ان تعدد قوى الثورة المضادة شكلا ومضمونا وممارسة ، يستدعي من القوى العربية الحية أن تمتلك أدوات ومستلزمات التصدي لها ، وتشخيصها وإمتداداتها وسبل تحركاتها ، وأن يأتي في أولويات مهامها توافر ما يستلزم لمواجهة قوى الثورة المضادة وتخريب مخططاتها وإفشال وإجهاض تآمرها على ما رفعته الجماهير العربية ووضع الحقائق أمام الشعب ومساعدته على تلمس خياراته الصحيحة وتعرية القوى والأحزاب المتسترة وراء مسميات براقة لخداع الناس وتزييف وعيهم والتلاعب بمشاعرهم .
ان ما يرسم للمنطقة من مخطط استعماري، اصبح واضح والهدف منه مواجهة الروسي الناهض الذي يشكل مركز استقطاب عالمي ويعلن نهاية القطب الوحيد في السياسة الدولية ويريد تطبيق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بوحدة معايير وحسن تفسير وتدبير، لذلك نرى أن هذه الثورات والحركات لا تملك جوابا شافيا عن قضية فلسطين في ظل ميزان القوى وطبيعة العلاقات الاقليمية والدولية ومراجعة وسائل النضال وأساليبه وايجاد سياقات جديدة لمعالجة القضيّة الفلسطينية.
هذا التغيير الكبير ربما يحمل اتجاهات عدة وربما هذا هو الاختلاف في تحديد الرؤية تجاه تحليل الظاهرة وفهمها ومعرفة الاتجاهات، وخاصة أن هناك سيناريوهات محتملة بشكل أو بآخر، ابرزها حالة الاهتزاز والحالة الانتقالية في العالم العربي ومرحلة ضعف الوضع المركزي في هذه الدول لينشئ حالة جديدة مبنية على اعادة تفتيت المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وأسس عرقية، وبالتالي تحدث حالة تراجع في المشروع تؤدي الى تقسيم المقسم واعطاء هويات عرقية ومذهبية وطائفية للمنطقة، وهذا أيضا سيناريو خطير كتب عنه وذكر قبل سنوات وخاصة بعد احتلال العراق وانتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين، لذلك فنحن أمام صراع ارادات وهناك اتجاهات كثيرة ودخول أميركي صهيوني على المشروع لمحاولة حرفه وسرقته واعادة توجيهه بما يخدم مصالح أخرى وهناك محاولة جماهيرية مخلصة للتغيير باتجاه الاصلاح والتنمية وباتجاه أيضاً مشاريع تعبر عن ارادتها وعزتها وكرامتها، لذلك فإنه بقدر ما تلتصق حركات التغيير وقياداتها، بالأخص القوة التقدمية والقومية العربية بجماهيرها، وبقدر ما تعبر عن ارادة الشعوب وتستجيب لطموحات الناس، بقدر ما يتوافر لها فرص نجاح، لذلك يجب أن تنشغل هذه الاحزاب بجماهيرها وشعبها وتقدم برامج حقيقية.
وها هم الاسرى الابطال في سجون الاحتلال الصهيوني يرسمون ربيعا من خلال الحب والوطن ، يرسمون الأمل والمستقبل ، يرسمون القمر والشمس ، يرسمون ألوان العلم الفلسطيني مع اشراقة كل صباح بالتضحية والفداء بالبطولة والوفاء التي تنتصر على قمع الجلاد.
من صمود وعتمة الزنزانة أراد الأسرى في سجون الاحتلال استمرار حالة الصمود والإرادة والتصدي للعنجهية الإسرائيلية ، وأراد الإنسان الفلسطيني أن يستمر في نضاله فمن مرحلة النضال الأصغر ينتقل الأسير إلى مرحلة النضال الأكبر ويستمر في الجهاد والانتصار على السجان الإسرائيلي بصموده ووعيه وإيمانه بثورته يتسلح الأسير الفلسطيني بسلاح الوعي ويحدد منهجية وإرادة لصناعة الثورة والتغيير في سجون الاحتلال .
ختاما: نقول لاصحاب ما يسمى الربيع العربي، إن أسرى الحرية يصنعون بصمودهم وإرادتهم الملحمة الحقيقية لشعبنا وان الاستجابة لصرخات الأسرى المدوية والمنبعثة من خلف قضبان سجون الاحتلال والتضامن مع الحركة الأسيرة والأسرى المعزولين، وخاصة الأسرى القدامى وذوي الأحكام العالية والمرضى،هو واجب كل فلسطيني وعربي وما يتطلبه من عمل وطني وقومي فاعل وهام لفضح جرائم الاحتلال وكشفها والتصدي لها بشكل يومي فالمعركة هي معركة الأسرى ومعركة فلسطين ،فالقضية الفلسطينية يجب ان تبقى حية في ضمير كل من هو عربي .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت