ليست هناك أي عداوة تاريخية بيني، وبين الأطباء والذين هم عملهم برأيي إنساني بالدرجة الأولى ،وليس مجرد مهنة كأي مهنة وإن كان لكل منا مسئولياته ولكل مهنة قدسيتها ودورها الريادي ،وأهميتها في مجتمعاتنا العربية.. أعترف أني أكن لكل المهن والحرف وأي عمل شريف كل الاحترام والتقدير والوقار .. بداية من الأساتذة والمهندسين ،والأدباء ورجال الفكر ورجال الدين وحتى عمال النظافة ،و للأطباء في كل العالم لهم عندي مكانة مميزة مرموقة لما يمس عملهم بحياة البشر ،وإن كنت هنا أسلط الأضواء على بعض الخطايا من قلب أعمال البعض منهم ،وليس الجميع.. أي على وجه الخصوص ،لا الشمول والعموم .. أي أولئك الأطباء المتقاعسون ،الذين دفنوا ضمائرهم بداية منهم عندما كانوا طلابا ،وعندما أهملوا دراساتهم ،واستبدلوها بلفحات ساخنة ،شهوانية باللهث وراء الفتيات ،والسهرات الحمراء،وإتباع العشق والهوى ..ما دامت شهاداتهم مضمونة في معظم بلاد الغرب والذين هم عندهم يطبقون المثل القائل وصَدَق هذا المثل " الشهادة للجميع ... أما العلم فليس إلا لمن أراد " أولئك الأطباء أو المحسوبين على نقابة الأطباء ،والذين اكتفوا بالشطر الأول من المثل أي الاكتفاء بنيل تلك الشهادات الصماء ،والجوفاء كالطبول ،بل أن الطبول عندما تقرع في المعارك لها أشارات حاسمة بين النصر أو الهزيمة ،بين البداية أو النهاية!!
من الغريب أن ماراثون الإهمال الطبي في بلاد العرب أوطاني ،فيه العرض مستمر ،ولم يتوقف على مسرح حياتنا العملية.. فبالأمس حدثني أحد الأصدقاء ،وكنا نتكلم عن مشاكل خطيرة نجمت عن نواتج التحاليل الطبية الخاطئة،وصور الأشعة ،والإهمال الطبي .. فكم من عمليات جراحية استبدالية قد تمت بهدوء ،وبدم بارد كحبات الأيس كريم ومثالا لاحصرا .. ،والاستبدال في أبسط معانيه يا أحبائي وأني أتناول ذلك المصطلح مكتفيا به من الجانب الاصطلاحي الشرعي والذي حقيقته جعل الشيء الصالح مكان الشيء الطالح ،ولذا عاب الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل في اختيارهم الذي هو أدنى وترجيحه على الذي هو خير واستبدال بذلك من قوله تعالى :"وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على المهم من نواتج مثل هذي الاستبدالات كانت هناك عمليتان لامرأتان في آن واحد في أحد المستشفيات.. الأولى تقرر لها عملية الزائدة وهي في مقتبل الثلاثينات ،وأما الأخرى فقد تقرر لها عملية استئصال للرحم ، وهي لامرأة في الخمسينات ،وفجأة ،وبدون سابق إنذار حدثت مغالطة وخيمة ،ناجمة عن استبدال العمليتين بين كلا منهما
،ففقدت المرأة الشابة القدرة على الإنجاب فحرمت من الأمومة إلى الأبد ،و دون أدنى ذنب !! ،قانون الاستبدال يا أحبائي أمر قائم وطبيعي في سياسات الدول أن تعطيني قمحا فأعطيك أرزا أو طحين ،وكذلك بين العملات ،وبين لغة الأرقام في الرياضيات ،وفي المقايضات من الجانب الاقتصادي ،وقانون الاستبدال قائم في القرآن لكن إلا الاستبدال في العلاقات الإنسانية القائمة أساسا على النسيج الاجتماعي الموحد ،وعلى الانسجام والتوافق بين البشر.. فكم من مريض سكر تم فتح ملف له ليتعاطى علاج السكر ،وبعد فترة يُكتشف أنه غير مريض بالسكر أساسا ،وكم من مريض كذلك داوم على علاج الضغط لشهور طويلة ،وهو ليس عنده ضغط ..برغم ضغط تعكير الأجواء السياسية ،والاقتصادية ،والاجتماعية ،في هذا المضمار ،وضغط أولو قيل له عندك هبوط لكان الأمر عاديا فهناك هبوط متعمد ،وغير اضطراري في السلوكيات الحضارية في مجتمعاتنا العربية،وهبوط في الأخلاقيات ،وهبوط في ثقافتنا ،وهبوط سريع نحو قيعان التفككات ،والانحرافات ،ونتوقع الأكثر في ظل غياب العقيدة الإسلامية ،وهبوط في الوازع الديني!!.. ،وبين الضغط المرتفع ،والهبوط الحاد حكاية،وحكايات ..حدث ولا حرج ،لكن الموقف الذي أضحكني كثيرا، وكدت أن أفقد توازني بعدما أصابتني هستريا الضحك !!، حقا إن شر البلية ما يُضحك ..عندما حكى لي أحد أولئك الأصدقاء حكاية واقعية ، وليست خرافية من نسج الخيال أو مجرد هواجس ،وهو أن شخصا ما يعرفه ذهب إلى الصيدلية لكي يأخذ الإبرة الثانية ،والتي أقرها له أحد الأطباء في أحد المستشفيات لكي تخفف عنه الآم المغص الذي يداهمه بين الفينة والأخرى ،ولما قرأ الصيدلي الإبرة قال له :موجودة لكن لمن ؟! قال له: يادكتور وهل هذا يحتاج لسؤال طبعا لي أليس اسمي مكتوب على روشتة العلاج ؟!!،لحظتها قال له الصيدلي بكل اقتضاب وعبوس قد كسا ملامح وجهه ..طيب لوسمحت ممكن أن توصف لي ما حدث معك عندما أخذت الإبرة الأولى في المستشفى أمس فرد عليه : شعرت على الفور بعصبية زائدة ،و صداع و غثيان ودوخة.. فقلت في قرارة نفسي يمكن مفعول الإبرة اشتغل !! اندهش الطبيب لما سمع فقال له: هذه الإبرة هي ليست للرجال..، بل لمنع الحمل عند النساء ،كيف كُتبت لك ؟!! ،حينها تلعثم الرجل ،وغدت عليه علامات الغضب الشديد، فكاد أن يُغشى عليه ،وبدأ يرتجف مرددا بقوله :حسبي الله ونعم الوكيل !!
حقيقة لا أعلم أين دور الرقابة الإدارية الطبية،فيما حدث بالأمس ،وما يحدث اليوم لكن أن افلتوا أولئك الأطباء الذين لا يميزون بين الإنسان والحيوان ،أو بين الحي والميت ،والذين لا يحركون ساكنا تجاه من هم يتأوهون ،وتجاه من هم على فراش الموت ،والذين هم في أشد الحاجة إليهم !!أني أتساءل أين هو ذاك الملاك الأبيض ،والذي رحل في ظل غياب الضمير الإنساني عن كوكبنا ، وبلا عودة؟! وهل يراقب الله سبحانه في أعماله ،ويستشعر عظمة الرقابة الإلهية أم ظن أنه حر طليق ، بين الرقابتين وبلا تشبيه ؟!!وهل يعلم الملاك الأبيض أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز،وقوله الحق والفصل "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ..)؟!!