شكراً أوباما فقد أنجزت ما وعدت

بقلم: صلاح صبحية


لم أجد شيئاً جديداً أكتبه حول زيارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى فلسطين التاريخية إلا ما كتبته قبل نحو أربع سنوات وذلك بعد أن ألقى خطابه التاريخي في القاهرة في حزيران 2009 ، لأنه لاشيء تغير في الموقف الأمريكي سوى مزيدٍ من التعنث بشأن الحقوق الفلسطينية وخاصة الحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي قاومها الأمريكان في عامي 2011 في مجلس الأمن و2012 في الجمعية العامة ، ولأني لم أجد شيئاً جديداً بشأن زيارة أوباما فأعيد نشر مقالي المؤرخ بتاريخ 12/6/2009 دون مقدمته وإليكم ما كتبته آنذاك :
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أتحمّل أنا العربي والمسلم مسؤولية الموقف الأمريكي القديم المتجدد والمعادي للعرب والمسلمين ، وأن ّ الموقف الأمريكي كان نتيجة أحداث 11 سبتمر 2001 ، بينما الحقيقة أنّ أحداث 11سبتمر هي نتيجة لموقف أمريكي معادٍ للعرب والمسلمين 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أبحث عن مصالح مشتركة فيما بيننا ، بينما أنا الفلسطيني ومنذ أكثر من ستين عاماً وشعبي يعيش لاجئاُ في الشتات بعيداً عن وطنه 0فما هي المصلحة المشتركة فيما بين اللاجىء وأمريكا العظيمة ،إلاّ إذا كانت مصلحة الإنسانية هي التي تجمع بيننا بأن أعيش أنا الإنسان في وطني كما تعيش أنت الإنسان في وطنك ، وذلك من مبادىء العدالة والتقدم والتسامح وكرامة الإنسان كما قلت 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أمضي معك قُدماً من أجل أن تعبّر بصراحة عما هو في قلب أمريكا ، وأنا أعلم أنّ الموجود في قلب أمريكا هو حقد وكراهية ضدي أنا الفلسطيني لأنني لا أقبل بإقامة وطن قومي ليهود العالم على أرض وطني فلسطين ،وأنّ الموجود في قلب أمريكا مشروع استعماري استيطاني على أرض فلسطين قلب الوطن العربي وقلب العالم القديم 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أصفك بالرئيس المؤمن، وأنت ترى في قوله تعالى ( اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا ) أرضية مشتركة لنتعلم من بعضنا البعض، وأن يكون الاحترام متبادلاً فيما بيننا ، فكيف تريد مني ( أنا الضحيّة ) أيها الرئيس المؤمن أن احترم قاتلي ، وأنت قاتلي إذا كنت تريد مني الصراحة ، فكيف سيبرر الرئيس المؤمن جريمة بلاده أمام التاريخ وأمام الله ؟
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أُصدّق قولك ، أنك تريد قول الحقيقة بكلّ تواضع ، عن أي حقيقة تبحث ،هل هي الحقيقة الخادعة لما سميّ بمحرقة اليهود واضطهادهم في أوربا ، وهل أنت قادر أن تتكلم عن الحقيقة المعلنة ليل نهار وهي قيام اليهود الصهاينة بالاستيلاء على أرض فلسطين وطرد شعبها منها ، وارتكاب عشرات المجازر والمحارق بحق الشّعب الفلسطيني ، ألم تسمع بمجازر دير ياسين وقبّية ونحّالين وكفرقاسم وعين الزيتون والطنطورة وإزالة القرى الفلسطينية عن الوجود ( صفورية والشجرة وغيرها 0000 )
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أُصدّق قولك وأنت تعترف إنّ الحضارة القائمة مدينة للإسلام ، وإذا كنت ترى في الإسلام حضارة ، وإذا كنتم تبنون حضارة ساهم الإسلام في تأسيسها ، فلماذا تريدون القضاء على الإسلام في فلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان والشيشان وفي كلّ مكان ، ولا تريدون لأي حكومة اسلامية أن تكون موجودة على الأرض ، تحاربون الإسلام في كل مكان بقدر ما تستغلون الإسلام في محاربة الأنظمة القائمة 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أُصدّق قولك ، بأن أي نظام عالمي يعلي شعباً أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل ، فهل تعترف الآن أن مشروعك الاستعماري على أرض فلسطين سيبوء بالفشل ، لأنكم أقمتم مشروعكم على أرض فلسطين وفقاً لنظرية باطلة وهي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، احللتم أُناساً من أنحاء الأرض مكان شعب عمره من عمر وجود البشرية على الأرض ، فمدينة أريحا هي أقدم مدن الأرض ، وشعب فلسطين من أقدم شعوب الأرض 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أكون متعاطفاً ومتعاوناً معك وأنت تقول : أننا نرفض ما يرفضه أهل كافة المعتقدات ، قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ، لأنه في حقيقة أمر أمريكا وفي استراتيجيتها المنفذة في انحاء الأرض ومن خلال كلّ وكلائها المعتمدين لديها وغير المعتمدين ، أن قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال في غزة وفي الضفة الغربية وفي العراق واجب على أمريكا، لأنّ الإنسان العربي الذي يقاوم الاحتلال والعدوان يشكلّ تهديداً جسيما لأمن الولايات المتحدة الأمريكية 0 غريب أمرك أيها الرئيس ! ، وغريب أمر من صفق لك على ذلك !
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أحيّ ايمانك وأنت تؤمن بقوله تعالى " من قتل نفساً بغير حق أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " ، لن أصفّق لك أوباما كما صفّق لك الآخرون ، ولكن هل تستطيع أن تكون صادقاُ مع نفسك وتقول لي من الذي قتل وسفك دماء الشعب الفلسطيني ومازال منذ قرن من الزمان ، أنت تتحدث عن المتطرفين من المسلمين ونحن نقر بوجودهم ، ولكن ماذا عن المتطرفين اليهود الصهاينة الذين يمارسون التدمير والقتل والإبادة لشعب فلسطين ، فهل التطرف اليهودي الصهيوني هو جزء من الحل ، بينما المتطرفين المسلمين هم جزء من المشكلة التي تريد وتريدنا أن نكون معك بالتخلص منهم ، عفواً أوباما فأنت تريد التخلص من الإسلام والمسلمين ، بينما ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني الذي يريد القضاء على مليون وربع إنسان فلسطيني وقتل الفلسطينيين جميعاً فإنّما يفعل ذلك لأنّه يريد أن يحي الناس جمعياً ، فبقتل الشعب الفلسطيني يحيا الناس جميعا يا سيد أوباما ، فلذلك فأنّ ليبرمان يستحق منك المكافأة والتكريم 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أرى معك( بأن الشّعب العراقي في نهاية المطاف هو الطرف الكاسب في معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين ) ، أن الكاسب الحقيقي من احتلالكم العراق هي أمريكا ، لأنها استطاعت القضاء على حضارة العراق ، وعلى تاريخ العراق، وعلى التفوق العلمي للعراق، وعلى إبادة آلاف العلماء العراقيين ، واستطاعت أمريكا أن تنهب خيرات العراق ، أما الشّعب العراقي فأنّه يعاني الويلات من وجودكم على أرضه ، وأنّه الخاسر الأول والأخير من احتلالكم لأرض العراق 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أعترف معك بأنّ رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه ، وتريد مني أن أعترف بوجود معسكرات الموت التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود ، وكأن ما يسمّى بالمحرقة هي شغلك الشاغل اليوم ، وإن كانت هذه المحرقة ليست بالصورة التي رسمتها ، وهي في حقيقة وجودها لاتعادل شيئاً أمام المذابح والمجازر التي تساعدون اليهود الصهاينة على ارتكابها كلّ يوم في فلسطين ، إنّكم تتجاهلون حقيقة القتل اليومي للشعب الفلسطيني على أيدي الغزاة الصهاينة ، ونريد منكم أن تجرؤوا على قول الحقيقة إزاء مجازر الصهاينة في فلسطين مثلما تتحدثون عن المحرقة 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن لا أعجب من قولك ( حتى الآن يتحمّل الفلسطينيون الإهانات اليومية صغيرة أم كبيرة والتي هي ناتجة عن الاحتلال ) ، فأنك تقرّ ُ بوجود الاحتلال ، وما دمتّ تقرّ بوجود الاحتلال ، فالواجب الإنساني والأخلاقي يحتّم عليك أن تطلب من قوات الاحتلال الرّحيل عن أرض الضفة والقطاع والقدس دون قيّد أو شرط 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن لا أقاوم الاحتلال ، فأينما وجد الاحتلال وجدت المقاومة بكلّ أساليبها وبكلّ وسائلها ، والمقاومة حق مشروع للشّعوب التي تحتل أراضيها ، وليست القضية في فلسطين قضية بيض وسود ، وبالتالي ليس العنف الذي هو أحد أساليب المقاومة في فلسطين أسلوباً خاطئاً يا سيد البيت الأبيض ، وهو أسلوب خاطىء فقط من وجهة نظرك لأنك تريد بقاء الاحتلال على أرض فلسطين يمارس القتل وسفك الدماء ، أنك لم تتأثر من الدماء التي تسفك على أيدي الصهاينة ، ولكنّ سيّل نقطة دم ٍ لصهيوني واحد تجعلك تقيم الدنيا ولا تقعدها ، وسفك الدّم الفلسطيني هو في نظرك أيّها الأمريكي حق مشروع للصهيوني ، أمّا مقاومة الفلسطيني للاحتلال فهو تطرف ومخالفة للشرعية الدّولية ولحقوق الإنسان 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أقبل بوجود اليهود الصهاينة على أرضي وأنت تقول ( أن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن ) ، ومع هذا فأن الجانب الفلسطيني المحتلة أرضه التاريخية قبل بحل الدولتين ولكن مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 وذلك تنفيذاً للقرار الأممي رقم /194/ ، وبذلك يكون الجانب الفلسطيني قد قام بتنازل تاريخي مسبوق 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن التزم بتنفيذ خارطة الطريق دون أن يلتزم الطرف الصهيوني بما تقتضيه هذه الخارطة من التزامات مفروضة عليه ، وكأن الالتزام يقع على الجانب الفلسطيني فقط 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أحزن معك على الأطفال الإسرائيليين الذين أصيبوا نتيجة مقاومة الشّعب الفلسطيني للاحتلال وعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، وأن أُقرّ معك أن طريق العنف طريق مسدود وأنّه لا يعبّر عن الشجاعة ، وماذا تريد مني أن أسّمي قتل آلاف الأطفال الفلسطينيين على يد الصهاينة ، أنّ التسمية التي يستحقها هذا العمل الإجرامي اليومي بحق أطفال فلسطين ، هي أنّها تعبير حقيقي عن حضارة الأمريكان في هذا العصر 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أنضمّ إليك لأطالب حركة حماس أن تضع حدّاً للعنف وأن تعترف بحق إسرائيل في البقاء ، مقابل ماذا تريد ذلك ، مقابل الاجتياحات الصهيونية اليومية لأرض الضفة والقطاع ، ومقابل إزالة مساكن الفلسطينيين في القدس وإقامة الوحدات الاستيطانية فيها بدل بيوت الفلسطينيين التي تهدم يومياً وأنت مشجع لها وداعم لها بالتمويل 0
غبيّ أنا أوباما وأنت تريد مني أن أعترف بدولة الصهاينة مقابل ماذا ، مقابل تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم من أجل لا شيء سوى الإعتراف بشرعية( إسرائيل )، الأجدّر بك أيها الرئيس أوباما أن تطلب من وكيلك الصهيوني الإنسحاب الفوري من أرض الضفة والقطاع والقدس 0
غبيّ أنا أوباما وأنا لآ أسمعك تتحدث عن آلاف الأسرى في الزنازين الصهيونية فاصدّق بأن الأسرى قد تحرروا من أسرهم عل يدك السمراء 0
غبيّ أنا أوباما وأنا لا أسمعك تتحدث عن جدار الفصل العنصري ، هذا الثعبان الذي يتلوى داخل الضفة الغربية على حدّ قول بوش ، فأصدّق بأن أمريكا قد أزالت هذا الجدار اللعين 0
غبيّ أنا أوباما وأنا أرى الجّرافات الأمريكية قد بدأت بإزالة المستوطنات الصهيونية في القدس وفي الضفة من أجل تنفيذ حل الدولتين الذي تنادي به أيها السيد الرئيس أوباما 0
لقد جاء أوباما ليصنع لنا وهماً كما صنعه لنا من قبله بوش وكلنتون ومن سبقهم في البيت الأبيض الأمريكي ، يريد الأوباما أن يسلب عقولنا من خلال سمرته الأفريقية ، وابتسامته الإنسانية ، وبعضاً من جذوره الإسلامية ، ويريد أن يبقينا أسرى للمخططات الأمريكية في المنطقة 0
لقد جاء أوباما لنجرّبّه كما جربّنا غيره من الرؤساء الأمريكيين فما زادونا إلا تصعيداً للعدوان ضدنا في كلّ مكان 0
لقد جاء أوباما وأوجد حالة من العودة إلى اللاوعي عند الذين يراهنون على الولايات المتحدة الأمريكية في حلّ القضية الفلسطينية ،ونسوا بل تناسوا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي جزء من المشكلة القائمة في منطقتنا العربية0
جاء أوباما ومعه الترياق في إزالة السّم الصهيوني من أرض فلسطين وصدّق من العرب من صدّق ، فّإذا بالأوباما ومن ألمانيا يعلن بأنه لا يريد فرض حلٍّ على الطرفين ولكنه يريد من الطرفين أن يعودا إلى طاولة المفاوضات من أجل أن يصل بنا أوباما إلى نهاية ولايته ولم يتحقق لنا دولة ولم يصبح لنا كيان وما زلنا نناطح الصخر في المفاوضات مع الصهاينة 0
شكراً أوباما فقد أخرجتنا من وعينا لنعيش الأمل ونحن نرى الحلم الفلسطيني وقد تحقق 0




حمص في 20/3/2013 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت