واجه تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة "بنيامين نتنياهو"- وهي الحكومة الثالثة التي يترأسها وتحمل رقم (33)- واجهت مشاكل في غاية الصعوبة، ناتجة عن الخارطة الحزبية الأخيرة التي أنتجتها انتخابات الكنيست الـ (19)، وبعد أن كلف رئيس الدولة "شمعون بيرس" "نتنياهو" -حسب القانون- بتشكيل الحكومة خلال (28) يوماً دون أن ينجح، واستفاد من القانون الذي يمنحه (14) يوماً إضافية لإنهاء عملية التشكيل، ففي آخر يوم وهو يوم السبت 14-3-2013 أي في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء المدة القانونية لعملية التشكيل، أبلغ "نتنياهو" رئيس الدولة بنجاحه في عملية التشكيل، وأنه سيعرض حكومته أمام الكنيست يوم الاثنين 18-3-2013 لطرح الثقة بحكومته.
لقد أصبح "نتنياهو" في رئاسته للحكومة الثالثة الجديدة، أضعف مما كان عليه في الماضي، ورهينة سياسية بيد شركائه المشاركين في الائتلاف، كما أن هناك ارتفاعاً كبيراً في قوة ونفوذ المستوطنين في حكومة "نتنياهو" الجديدة، وهذه الحكومة المشكلة من الأحزاب التالية:"الليكود-بيتنا" ولهما (31) مقعداً في الكنيست، "هناك مستقبل" وله (19) مقعداً، "البيت اليهودي" وله (12) مقعداً، وحزب "الحركة" ولها (6) مقاعد، أي ما مجموعه (68) مقعداً من أصل (120) عدد مقاعد الكنيست، ومع أنهم يقولون بأن سياسة جديدة ستنتهجها الحكومة الجديدة، لكن من غير المعروف مضمون هذه السياسة، مع ترجيحنا بأنها لن تكون بعيدة عن سياسة الحكومة السابقة، فالصراعات والاختلافات على الحقائب، وليس على البرنامج السياسي، احتلت المساحة الواسعة في المفاوضات بين الأحزاب لتشكيل الحكومة، وصفت بحرب عالمية بين الأحزاب، وداخل كل حزب على الكراسي، فكانت مفاوضات عسيرة في عملية التشكيل، تخللتها أزمات وتهديدات وضغوط، اضطر "نتنياهو" فيها للاستجابة لمعظم طلبات شركائه في الائتلاف الجديد، لأن البديل كان إجراء انتخابات برلمانية جديدة للكنيست، في ظروف تفيد استطلاعات الرأي العام بأن حزب الليكود-بيتنا سيتراجع كثيراً أمام الأحزاب الأخرى في انتخابات جديدة، وهذا اضطر "نتنياهو" لإعطاء تنازلات لشركائه، وهذا الوضع يشير إلى صراعات عنيفة وتناقضات كثيرة بين الأحزاب المؤتلفة، تنذر بأن عمر هذه الحكومة سيكون قصيراً.
إن المفاوضات بين الأحزاب لتشكيل هذه الحكومة، كانت بين مد وجزر، وانقطاع وعودة، ومحاولة إحداث شرخ بين حزبي "هناك مستقبل"و"البيت اليهودي" أطالت مدة المفاوضات وعملية التشكيل، وكان من أبرز الخلافات بالدرجة الأولى، حقيبة الخارجية، التي كان يريدها رئيس حزب"هناك مستقبل"، إلا أنها حسمت لصالح "افيغدور ليبرمان" حيث سيحتفظ بها رئيس الحكومة حتى البت القضائي في التهم المنسوبة لـ "ليبرمان"، وكانت المشكلة الثانية وزارة التربية والتعليم التي كان "الليكود" يريد الاحتفاظ بها، فُحسمت لصالح حزب "هناك مستقبل" بعد مفاوضات عنيفة.
إن الإنجاز الذي حققه "يائير لبيد"- رئيس حزب "هناك مستقبل"- و"نفتالي بينت" -رئيس حزب "البيت اليهودي" - بتقليص عدد الوزراء من (30) وزيرا إلى (22) وزيرا، وإخراج الأحزاب الدينية الابتزازية من المشاركة بالحكم، وتحميل الأعباء في الخدمة العسكرية على جميع المواطنين اليهود، والعرب بالخدمة الوطنية، ورفع نسبة الحسم من 2% إلى 4% في الانتخابات القادمة لتقليص عدد الكتل الحزبية، كما كان أحد مطالب حزب "هناك مستقبل"، وحزب "الحركة"، البدء فوراً في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين لكن هذا يحتاج إلى تجميد البناء الاستيطاني، والعودة إلى المرجعيات التفاوضية المعروفة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه رغم التحالف بين حزبي "هناك مستقبل" و"البيت اليهودي" فإن الأول مع العملية السياسية وحل الدولتين بينما الثاني مع توسيع الاستيطان، وضد إقامة دولة فلسطينية، وأحد لا يتوقع التوصل إلى حل جذري للقضية الفلسطينية، حتى إذا تجددت العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين.
لقد كانت مشكلة توزيع الحقائب، أكثر صعوبة من المشاكل الأخرى، فالصراعات على الكراسي والمناصب لا تختلف عن مثل هذه الصراعات في الدول العربية، فـ "نتنياهو" سيتولى رئاسة الحكومة إضافة إلى الخارجية مؤقتاً، ورئيس حزب "هناك مستقبل" "يائير لبيد" سيتولى وزارة المالية، ورئيس حزب "البيت اليهودي" "نفتالي بينت" سيتولى وزارة الاقتصاد والتجارة، ورئيسة حزب "الحركة" "تسيفي ليفني" وزارة العدل، أما وزارة الجيش فسيتولاها الجنرال "موشيه يعالون" وهو شديد التطرف ومقبول جداً من قبل المستوطنين، وقد أَسند حزب "البيت اليهودي" إلى المستوطن "أوري ارئيل"، وهو من أشد العاملين على توسيع الاستيطان، وتقديم المزيد من العطاءات والبناء خاصة في القدس الشرقية، مما يشير إلى مواصلة السياسة الاستيطانية للحكومة الجديدة، مع أن هناك تحذيرات داخلية وخارجية، أنه إذا واصلت الحكومة هذه السياسة، فإنها ستصبح معزولة على الصعيد الدولي، فستضم الحكومة 12 وزيراً لـ"الليكود-بيتنا" مع رئاسة الحكومة، و"هناك مستقبل" سيحصل على (5) حقائب وزارية، و"البيت اليهودي" على(3) حقائب، وحزب الحركة على حقيبتين، إضافة إلى عدد من نواب الوزراء، ومنح رئاسة الكنيست إلى نائب من حزب الليكود، وتقرر عدم تعيين نواب لرئيس الوزراء كما سيشكل مجلس مصغر للوزارة يمثل الأحزاب المؤتلفة، ولجان ورؤساء لجان، ومع ذلك، فإن هناك عصياناً في صفوف الليكود، خاصة بين القياديين الذين لم يحظوا بحقائب وزارية، كذلك فإن جيل الشباب الذين حققوا تقدماً في الانتخابات التمهيدية "البرايمرز" ووصلوا إلى عضوية الكنيست، يطالبون باستبعاد الحرس القديم ليحصلوا على حقائب وزارية، أما الحدث الأبرز فهو استبعاد رئيس الكنيست "رؤوبين ريفلن" من منصبه، لعلاقته السياسية السيئة مع رئيس الوزراء، وإسناد رئاسة الكنيست إلى "يولي ادلشتين" وزير الإعلام السابق، فرئيس الكنيست المستبعد نعت نتنياهو بالخائن، وقال أن نتنياهو سيدفع ثمناً باهظاً، فالسخط على "نتنياهو" من قبل مجموعات كبيرة من حزبه يتهمونه بأنه باع الحقائب الوزارية إلى "ليبرمان" والأحزاب الأخرى، ومع أنه لم يعلن حتى اليوم عن البرنامج السياسي للحكومة، ولم يجر نقاشاً جدياً حول القضية الفلسطينية، باستثناء أن الحكومة ستسعى للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وإذا تم التوصل لاتفاق، فإنه سيطرح على الحكومة، وعلى الكنيست، وربما على استفتاء شعبي، أما المشروع الأول الذي سيطرح على الكنيست، سيكون المساواة في تحمل أعباء الخدمة العسكرية، ليشمل طلاب المدارس الدينية.
وأخيراً .. فإن نتنياهو سيكون رئيس وزراء ضعيفاً، وأن (52) نائباً من أصل (120) سيشكلون معارضة قوية للحكومة، مقابل الائتلاف المشكل من (68) نائباً، فهذه هي إسرائيل من الداخل، أما ما يُطرح عن حل الدولتين، فإنه جاء في خطاب "نتنياهو" فقط، ولا وجود لأي قرار حكومي رسمي يقضي بهذا الحل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت