أوباما ... رهان الحالمين

بقلم: عمر شحادة

على امتداد ولايته الاولى دأب الرئيس الامريكي باراك حسين اوباما منذ يومه الاول في البيت الابيض على محو الآثار المدمرة لسياسات سلفه جورج دبليو بوش الابن، التي انبثقت من رؤى المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، المأخوذين بانهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن الذي مضى والطامحين لقيادة العالم بأدوات وثقافة الاستعمار القديم عبر ما يسمى باستراتيجيات الحرب الاستباقية والرعب والصدمة والحرب العالمية على الارهاب.

تلك الحرب التي اشعلت أوارها احداث11سبتمبر2001، وايقظت ضغائن ما يسمى صراع الحضارات والاسلاموفوبيا وصولاً لقرار الرئيس بوش الاصغر بشن الحرب خارج القانون واجتياح العراق بذرائع واهية تخفي الاهداف الحقيقية المضمرة بتدميره وحماية ما يسمونه أمن اسرائيل، تحت رايات نشر الديمقراطية واستخدام بلاد الرافدين نموذجاً ومنصة لزحف الحضارة الامريكية وديمقراطيتها نحو سوريا ولبنان وبناء "الشرق الاوسط الكبير" على انقاض العروبة وقضيتها المركزية.

وبنجاح الحزب الديمقراطي في الاطاحة بالرئيس بوش وانتخاب اوباما وتنصيبه رئيسا في يناير 2009، تنفست امريكا الصعداء وهي تسعى لوضع حد لنزيف القوة العسكري والمالي والاقتصادي والمعنوي في العراق وافغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين، وما رافقه من تفسخ وتعفن أخلاقي بلغ ذروته بعولمة التعذيب وفضائح القرن في سجن جوانتانامو وقبله في ابوغريب.

لقد تكسرت على ضفاف الرافدين تلك الموجة العاتية من وحشية الجشع الامبريالي وغطرسة الجهل والبربرية لأعتى قوة عسكرية عرفها التاريخ، وربما سينصف التاريخ يوماً، طال او قصر، أولئك الملايين الابطال المجهولين من رجال ونساء العرب والمسلمين الذين بفضل تضحياتهم وعلى صخرة مقاومتهم اجهضت وتحطمت احلام المحافظين الجدد والعولمة ولبراليتها الوحشية الجديدة وعالمها وحيد القطب، وسيحفظ لهم بالعرفان، وقوفهم المشرف وثمنه الفادح في وجه هولاكو العصر الحديث وتخليصهم للبشرية من سمومه وشره المستطير.

ها هو الرئيس الامريكي اوباما الذي نقل الأولوية في استراتيجيته الكونية الى آسيا - المحيط الهاديء، يدشن ولايته الثانية بجولة في بلادنا، باعتبارها مهمته المباشرة لتوفير الضمانة التي لا تستقيم أولويته الاستراتيجية بدونها، فالاستقرار يبدأ من هنا والقضية الفلسطينية هى لب الصراع في المنطقة ومفتاح الحل لاسبابه وتجلياته الداخلية والخارجية، وهو ما يدركه الخمسة الكبار في مجلس الامن والرئيس اوباما على نحو افضل من كل الروؤساء الامريكيين الذين سبقوه، فضلا عن كونه اكثر من يعي بتجرته الذاتية من يكون رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي اتقن على ما يبدو مناورته واصاب هدفه في احلال الملف النووي الايراني على راس جدول الاعمال الامريكي والدولي وما يسمى بالصراع السني الشيعي على حساب القضية الفلسطينية.

إثر اغتصاب فلسطين وتشريد اهلها وبعد دقائق فحسب، فور إعلانها في مساء الرابع عشر من ايار 1948 إعترف الرئيس الامريكي هاري ترومان بدولة اسرائيل، ومنذ ذلك اليوم يواصل روؤساء الولايات المتحدة ومبعوثيها الإصغاء الينا، ولكنهم لايسمعون...لا بل يصغون الينا ويسمعون غيرنا، وهو ما يثبته استخدام ادارة الرئيس اوباما للفيتو الامريكي ضد وقف الاستيطان في مجلس الامن خلافا لبقية اعضائه الاربعة عشر وتصويتها بالامس في 29 نوفمبر الماضي ضد قبول الدولة الفلسطينية في هيئة الامم المتحدة.

فمن عجب العجاب، ان هذا الرئيس المفوه القادم من وراء المحيط والذي نال قسطاً وافرا من نجاحه الانتخابي وارتقى سلم الصعود الى المكتب البيضاوي في البيت الابيض بفضل بلاغته الخطابية، جاء ليصمت عندنا في فلسطين وليصغي لمفاوضينا !!.

للرئيس اوباما ان يدعي استبدال دبلوماسية الإملاء والأوامر بدبلوماسية الإصغاء للفلسطينيين ولكلامهم المباح فيما عينه على طهران ودمشق، والسعي لتحقيق اهداف الولايات المتحدة بالقوة الناعمة حيث فشل سلفه الذي حمل هراوته ورحل، وفي ظني لو قيض للمواطن العربي ان يدلي بدلوه عشية وصول الرئيس الامريكي الى بلادنا التي تتوافق والذكرى العاشرة لحرب سلفه على العراق الشقيق، لنصحه أن يستمع لخطابه الذي القاه علينا في جامعة القاهرة وخص به العرب والمسلمين في رحلته السابقة خلال ولايته الاولى، وبأن يقرأ عمر الخيام ومحمود درويش ويصغي لأشعارهم في طريقه الى بلاد الشرق.

ونحن نشهد رهان الحالمين والمنجمين على زيارته أليس من حقنا ان نعتقد حتى يثبت العكس، بانها لا تعدو ان تكون تحريكا وإنعاشا للمفاوضات والحلول الثنائية وتعطيلا للمصالحة الوطنية وتجديداً لعشرين عاماً من استغفال الفلسطينيين والعرب المنقسمين على انفسهم واستخدامهم بأبخس الاثمان وقوداً للدبلوماسية الامريكية ومشاريعها الدولية الرامية لاعادة تقاسم المنطقة وثرواتها؟ أم تُرى يريد هذا الرئيس المفوه حقا ان يقنعنا بانه صمت عن الكلام وجاء ينشد الحكمة، ويأخذها من افواهنا ؟!

· عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رئيس تحرير مجلة الهدف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت