في السياسة والحرب من يستعدي الشعوب فهو خاسر

بقلم: أكرم أبو عمرو


ليست هي المرة الأولى التي اكتب فيها عن طبيعة علاقاتنا الفلسطينية العربية ، وأعتقد بأنه لا بأس من الكتابة مرة ومرات حول هذا الموضوع لأهميته القصوى في حياتنا ، طالما إننا نعيش خضم صراع لا نهاية قريبة له ، حيث أن طبيعة علاقاتنا بما حولنا من محيط عربي وإقليمي ودولي باتت عنصرا هاما وأساسيا في حيثيات هذا الصراع ، وصراعنا أي صراع ، انه صراع الوجود .
لقد فرضت قضية فلسطين وما تمخض عنها من نكبة ونكبات فيما بعد ، شبكة من العلاقات بيننا وبين الشعوب العربية التي وجدنا أنفسنا لاجئين في أراضيها ، وبالتالي فرضت علينا نوع من العلاقات كان يجب القبول بها وإلا الرحيل إلى مكان آخر ربما لا يمكن العثور علية في لحظة من اللحظات التي نريد فيها المغادرة ، ولذلك يبقى هاجس الحياة اليومية المعيشية للفلسطيني في هذه الدول ، باقيا ما بقيت حياته مرتبطة بهذا البلد ، وكذلك في حله وترحاله من بلد إلى بلد آخر للدراسة أو للعلاج أو للعمل أو لأي غرض اجتماعي تقتضيه الظروف .
كما شهدت فترة ما بعد النكبة نوع من الحراك السياسي والثوري إن صح هذا التعبير كان من ابرز مظاهرة الانقلابات العسكرية على بعض أنظمة الحكم في البلدان العربية، والتي كان يطلق عليها صفة الثورة وسرعان ما كانت البيانات الأولى لتلك الثورات ، أو لقادة الانقلابات ، تشير في احد بنودها وأهدافها المعلنة إلى تحرير فلسطين وتحقيق العودة لشعبها من أولويات النظام الجديد ، لتبدأ أبواق الدعاية والإعلام لهذه الأنظمة في بث ونشر هذه الأوهام، حتى يخيل للمواطن العربي أن جل حياته مسخرة لتحرير فلسطين وعودة شعبها ، حتى ما تعرضت له هذه الشعوب على يد حكامها من استغلال واستعباد وقهر وتكميم للأفواه ، وانتشار الفقر والبطالة والتخلف عن ركب التنمية، وتكديس الأسلحة التي كانت تجلب للاستعراضات العسكرية وقمع الشعوب ،هي من قوت الشعب كلها من اجل فلسطين ، لدرجة أن بات الكثير من أبناء عروبتنا يكفر بفلسطين وشعبها، لأنه اعتقد اعتقادا راسخا أن سبب ما هو فيه من فقر وتخلف هو فلسطين ، وربما استشهد بكلامي هذا ما تعرض له الفلسطينيون في العراق بعد أن عاشوا في العراق جنبا إلى جنب مع الشعب العراقي الشقيق عشرات السنين لم تشفع لهم عند الكثير من العراقيين الذين اندفعوا لملاحقة الفلسطيني قتلا وتشريدا ، وما حدث للفلسطينيين في لبنان والأردن وليبيا أمثلة أخرى .
في هذه الظروف الراهنة يستأنف الحراك السياسي العربي نشاطه ولكن يبدو بصورة أكثر عنفا وأكثر دموية ، ومع الأسف أطلق عليه اسم ثورات الربيع العربي ، علما بأنني لا أراها إلا كابوس عربي، إذا لم يصحو منه العرب فسوف يأكل الأخضر واليابس على الأرض العربية ، ولم يستفد منه إلا جهة واحدة فقط هي إسرائيل ، والسبب كما نرى هذه الأيام لم يعد هناك أهدافا واضحة لما يعرف بثورات الربيع ، وأصبحت التفرقة والشرذمة هي سمة من قاموا بها وأشعلوها ، على خلاف الشعارات البناءة التي رفعت في بدايات هذه الثورات والتي جعلت من أبناء امتنا مستبشرين خيرا بها .
في خضم هذا الحراك السياسي العربي والثوري الأخير ، وجد الكثير ممن ارتووا بالثقافات الغربية وأشبعتهم الدعاية الصهيونية والدعاية المعادية للأمة ضالتهم في جموع الفلسطينيين المتواجدين قسرا في تلك الدول، ليكلوا لهم الاتهامات الكاذبة والباطلة وأنهم سبب رئيسي في خراب بلدانهم ، ولعلنا نذكر في بدايات الثورة السورية كيف وجهت الاتهامات للفلسطينيين المقيمين في سوريا ، حيث بدأت بعض وسائل الإعلام العربية ببث سمومها وافتراءاتها تجاه شيطنة الفلسطينيين ، والطلب بمقاومتهم وملاحقتهم والحذر منهم ، طبعا لم ننسى المخلصين من أبناء الأمة من كتاب وإعلاميين وسياسيين ممن لم تنطلي عليهم هذه الافتراءات والأكاذيب على إخوانهم الفلسطينيين .
وهنا أصل إلى بيت القصيد من هذه المقالة ، حيث تبدآ ردات الفعل الفلسطينية ، من ناطقين رسميين ومسئولين وإعلاميين بمحاولة دحض هذه الأكاذيب ، ولكن يأتي عمليه دحضهم وردهم بشكل غير مناسب ، ربما يصل فيها الحد إلى لغة التحدي ، بما يوحي للجهة المضادة بصحة ما تدعيه .
ونحن هنا بحاجة إلى نمط من ردود الأفعال والمواقف أكثر هدوءا وانفعالا ، أو أكثر لباقة ودبلوماسية ولنعلم وحسب ما رأيناه خلال سنوات عديدة، أن معظم شعوبنا العربية خاصة عامة الشعب ، تأخذ ما ينشر في صحفها اليومية وما ينشر على الفضائيات كأنه مسلمات ، الأمر الذي يزيد معه درجة وحجم المعاداة للفلسطينيين ، أما العقلاء منهم فيذهب صونهم بعيدا بين ملايين الأصوات ، وهذه هي السوق الرائجة عند مروجي الأكاذيب والافتراءات ضد أبناء شعبنا ، حيث سرعان ما تبدأ انعكاسات هذه الافتراءات والاكايب تظهر في طريق الفلسطيني ، في المطارات والحدود ، في مؤسسات الدول المضيفة ، في وسائل المواصلات والمنشآت ، ينظر إلى الفلسطيني وكأنهم لأول مرة يروا هذا الفلسطيني ، وربما يسمعوه بعض ألفاظ السب والشتم ، ما يجعل حياة هذا الفلسطيني البائس جحيما على الأقل لفترة من الزمن .
نعم على قياداتنا وإعلامنا عدم استعداء شعوبنا العربية ، إذا كان علينا الرد على الأكاذيب والافتراءات فالرد يكون هادئا بالحجة المنطقية لا بالتحدي والإصرار ، نحن لا نتحدى إلا أعدائنا ، لا نتحدى أشقائنا وإخوتنا الذي هم سند لنا مهما كان من إحداث ، فالإحداث سوف تنتهي إن أجلا أو عاجلا ، وسوف تتضح كل الأمور ، وسف نبقى إخوة هدفنا واحد ومصالحنا واحدة وديننا واجد ولعتنا واحدة .
لذلك يجب الحذر في هذه الرياح العاصفة التي تجتاح عالمنا العربي أن لا تتكرر مأساة شعبنا الذي كان مقيما في الكويت ،ومأساته في العراق ، ومأساته الحالية في سوريا ، وفي ليبيا ،
نعم إن من يستعدي الشعوب فهو خاسر ، علينا أن ننظر بحيادية لما يجري على أراضي دولنا العربية ، لا دخل لنا فيما يجري ، نتمنى لهم الخير ، ونحن معهم فيما يريدون ويأملون ، لا تتدخل في شئون الآخرين ، عندها ننأى بأنفسنا عن كل محظور .

أكرم أبو عمرو
21/3/2013

21/3/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت