يعود أوباما للحديث عن قضيةٍ فلسطينيةٍ لن يكون لها حلٌّ إذا ما استمرّ طرحها بالإشكالية نفسها، (الأرض والأمن) والتي يستخدمها الإسرائيليون كأحجية "البيضة والدجاجة، أيهما أسبق" والتي لا حل لها، لأن كل شخص يفسّرها كما يشاء، فأوباما يقول "إن الفلسطينيين بحاجة إلى أن يشعروا بأن لديهم أرضهم الخاصة، في حين يحتاج الإسرائيليون إلى أن يشعروا بأن هذا لن يكون على حساب أمنهم"، إذن هي المعادلة التي ليس لها حل؛ لأن الأمن الإسرائيلي مفهومٌ واسعٌ ومطاطٌ وغير قابل للتعريف، وبناءً عليه نقترح على الرئيس أوباما خلال لقائه مع القادة الإسرائيليين أن يحصل منهم على تعريف لمفهوم الأمن الإسرائيلي وكيف يمكن تحقيقه، وهل يتم بكميات السلاح الهائلة والمنظومات التكنولوجية التي تتبرع بها واشنطن عن طيب خاطر لدولة الاحتلال، والتي يقول أحد الباحثين الإسرائيليين: "إن الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال كل دول الجوار وهزم جيوشها في وقت قياسي، بل وتدمير كل الإمكانات والمقدرات العسكرية في المنطقة": أم أن الأمن الإسرائيلي يعني مزيداً من الأرض الفلسطينية والثروات الفلسطينية بحيث لم يبق شيء نتفاوض عليه دوافع زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للمنطقة وأهدافها ، سواء كانت زيارة سياحية أم مناورة أم مؤامرة أم حملة علاقات عامة لتسويق صورة جديدة لأمريكا رئيس دولة كبرى يزور فيه مواقع ملتهبة كان ولا زال لها فيها مصالح ومآرب كبرى وموروث بالغ السوء من السياسات البائسة . إن الفلسطينيين هم شعب في حالة نزاع وصراع على حقوقهم ومصالحهم مع تحالف قاس من أطراف متعددة وكثيرة أولها إسرائيل وأمريكا ، إثر اغتصاب فلسطين وتشريد اهلها وبعد دقائق فحسب، فور إعلانها في مساء الرابع عشر من ايار 1948 إعترف الرئيس الامريكي هاري ترومان بدولة اسرائيل، ومنذ ذلك اليوم يواصل روؤساء الولايات المتحدة ومبعوثيها الإصغاء الينا، ولكنهم لايسمعون...لا بل يصغون الينا ويسمعون غيرنا، وهو ما يثبته استخدام ادارة الرئيس اوباما للفيتو الامريكي ضد وقف الاستيطان في مجلس الامن خلافا لبقية اعضائه الاربعة عشر وتصويتها بالامس في 29 نوفمبر الماضي ضد قبول الدولة الفلسطينية في هيئة الامم المتحدة.
لذلك يأتي اوباما لايصال رسالتين مختلفتين للطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي: الاولى للطرف الفلسطيني مفادها أن الولايات المتحدة هي الراعية لاي عملية سياسية، و ان لا خيارات امام الفلسطينيين الا الموافقة على اي مبادرة امريكية سقفها مصمم من قبل دولة الاحتلال، اي تجميل الوجة القبيح لاسرائيل من خلال نقل بعض الكرافانات التي يسميها اوباما غير شرعية. أما رسالتة للاسرائيلين فهي كالرسائل السابقة "ستبقى امريكا داعمة لاسرائيل الديموقراطية كونهما شركاء بالقيم الحضارية (طبعا بين قوسين)، و امريكا لا تسمح باي اعتداء على اسرائل التي تعيش في وسط معادي، و ستطلب امريكا من اسرائيل التخفيف عن الفلسطينيين ببعض الاجراءات التى لا تهدد امن الدولة النووية و ذلك بمقاييس حقوق الانسان الاسرائيلية.
وفي سياق ردود الفعل الفلسطينية على زيارة اوباما ثمة ثلاث مواقف على الاقل لا يحتاجها الفلسطينيون ولا تفيدهم ، الأول : هو المراهنة على او توهم حصول تبدل ذو صبغة جوهرية في الموقف الامريكي خصوصا عندما يجري ربط ذلك بشخوص كوزير الخارجية او الدفاع ، لآن مثل ذلك التطور لم يحدث في الواقع، والوصف الدقيق لما تشهده السياسة الأمريكية حاليا، هو تدوير لعناصر مقاربتها بخصوص ملفات المنطقة وليس تغيرها، لكن حتى هذا التدوير الذي يجري في لحظة حرجة أمريكيا وإقليميا ودوليا ، يحتاج لإغتنام سياسي مناسب من طرف المعنيين.
والموقف الثاني الذي يلحق الضرر بالفلسطينيين ، فهو الاستسلام نفسيا وسياسيا- كما هو الحال عند تيار كبير فيهم- للتصور الذي يرى أمريكا كصاحبة اليد الطولى والعالية في قضايا العالم وملفاته، في وقت تغير فيه الزمن بما يكفي لشعور أمريكا نفسها بان الأمر لم يعد كذلك.
أما الوقف الثالث: فهو إظهار شك ورفض مسبق لأمريكا ودورها بمناسبة الزيارة او بدونها، وهو أمر يندرج في نطاق التحايل على الذات وإرضاء لنوازع إيديولوجية عوضا عن أنه بلا قيمة سياسية أو معنوية من أي نوع، لسببين على الاقل : الأول لآن الرفض يتطلب من الرافضين خيارات وبدائل مقتدرة مزودة بكل عّدة وعتاد . والثاني لان الموقف الفعلي من السياسة الأمريكية في المنطقة لا يتطلب تأكيد الشكوك فيها. إن أمريكا تحتاج لتاريخ طويل من حسن النوايا والسياسات الإيجابية كي تحدث (بعض) التعديل على صورتها كما يجرى توارثها وترسيخها في وعي أوساط حقيقية وأصيلة في المنطقة.
وعلى نحو لا يخلو من راحة جراء خبرتهم القاسية مع الصعوبات والأوضاع الشاقة ، وبإعتبارهم شعب تقادم وتقاعد في المعاناة وعّرف أقصى أشكال المخاطر والتحديات ، يستطيع الفلسطينيون أن يعرضوا على اوباما خطابا بسيطا مفاده: نحن هنا رغم كل ما تعرضنا له "باقون هنا قرب هذا الجدار الأخير" في أرض هي مفتاح السلم والحرب ومعيار للعدل والظلم ، ندعوك ان تتامل في طريق عودتك إلى بلادك في أشياء كثيرة،منها التناقض الصارخ والمؤذي بين صورة امريكا التي تحاول بدون نجاح ان تعطيها لنفسها من جهة، وممارساتها وسياساتها التي تضر في العمق بمصالح امريكا ذاتها، طالما أن فقه الواقع يقول ، لقد كان بمقدور امريكا ان تحصل على ذات المصالح واكثر بطريقة معقولة ومهيوبة ومعترف بها أوباما لإقناع إسرائيل بأنه صديقها رمم صورته، وأكسبه رصيدا سياسيا يمكن استخدامه اليوم للوصول إلى تسوية للنزاع في الشرق الأوسط. والأمر لا يختلف أيضا مع كيري الذي أثبت أكثر من مرة تعاطفه الكبير مع إسرائيل، وهنا تكمن المشكلة، إذ في الوقت الذي تروج فيه أميركا لنفسها، باعتبارها الوسيط النزيه للصراع الفلسطيني الإسرائيلي نجدها تنحاز لطرف دون الآخر. وفيما يدين المسؤولون الأميركيون باستمرار العنف الفلسطيني يبررون باستمرار أيضا العنف الإسرائيلي، وذلك رغم انتهاك إسرائيل الصارخ للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يرفض حيازة الأراضي عن طريق القوة. وإذا استمر هذا الواقع مهيمنا على عملية السلام، فإننا لن نسمع جديدا خلال زيارة أوباما لإسرائيل عدا تلك الكليشيهات المكرورة التي صيغت من قبل وأعادها الأميركيون على أسماعنا أكثر من مرة دون تغيير فعلي على أرض الواقع. وربما كان ذلك هو ما توحي به مقالة دنيس روس في "نيويورك تايمز" التي أعاد فيها طرح بعض الاقتراحات المعروفة، مثل تعويض المستوطنين الذين يخلون الضفة الغربية، وينتقلون إلى داخل إسرائيل دون أن يأتي على ذكر الإشكالات الحقيقية المتمثلة في الاحتلال ومصادرة الأراضي، ولا ذكر القانون الدولي الواضح في هذا المجال، والحال أنه بدون اعتراف أوباما وكيري اللذين ستوجهان إلى المنطقة لهذه الحقائق ستبقى عملية السلام مجرد كلام فضفاض وخطاب أجوف تعوزه الإرادة الحقيقية لدفع عجلته نحو الأمام على طريق التسوية .
ورغم ذلك فإن الرئيس اوباما يريد من نتنياهو تقديم بوادر حسن النية بمبادرة منه في الافراج عن جميع الاسرى الفلسطينيين المعتقلين قبل توقيع اتفاق اوسلو وفقا لتفاهم تبيض السجون في اطار اتفاق اوسلو وكذلك بذل جهد للإفراج عن الاسيرات والمرضى والاطفال من المعتقلين إضافة إلى توسيع المناطق ذات السيطرة الفلسطينية ، رغم أن هذا الامر لا يغير شيئا في سياسة نتنياهو إلا أنه يعتبر تغييرا شكليا في الموقف الاسرائيلي ومحاولة لفك العزلة عن الحكومة اليمنية الأكثر تطرفا في اسرائيل ذلك ـ المستفيد هو حكومة الاحتلال ـ وفي نفس الوقت فإن اسرائيل تستمر بممارساتها وظلمها واحتلالها وان توسعت مناطق السيطرة الفلسطينية .
كتبه محمد الشواف – خان يونس * فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت