كما كان متوقعا لم تحمل زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة ولقائه مع زعمائها بجديد يمكن أن يفتح الطريق لاستئناف العملية السلمية على أسس غير تلك التي كانت قائمة طيلة عقدين من الزمن ولم تسفر عن تقدم ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر لعقود خلت، وما من شك فإن عدم الوصول لحل ينهي الصراع يعود بالدرجة الأولى لاستمرار العدوان الإسرائيلي المدعوم بكل وضوح من الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها المتعاقبة ، ولا يخفى على أحد أن الانحياز الأمريكي هذا مَثلَ ذخيرة دائمة الحضور في جعبة الحكومات الإسرائيلية وجعلها تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والأعراف الدولية وتجعل من قرارات الشرعية الدولية مجرد حبر على ورق. بهذا المعني جاءت زيارة أوباما وما أطلقه من تصريحات أغدق فيها المديح لإسرائيل وأسرف في الحديث عن دعم الولايات المتحدة لها مشيرا إلى أن قوة أمريكا هي قوة لإسرائيل علاوة على دعوته الصريحة للتعامل معها والاعتراف بها كدولة يهودية بكل ما يحمله ذلك من مضمون عنصري ، كل هذه التصريحات وإمعانه في مراعاة مشاعر الإسرائيليين وذكره أكثر من 72 مرة اسم دولة إسرائيل في خطابه أمام طلبة الجامعات في القدس، كل ذلك جاء ليمثل استمرارا لسياسية الانحياز الأمريكية هذه لإسرائيل الأمر الذي سيزيد من غرور قادتها وغطرستهم ويصم أذانهم عن السماع لصوت الشرعية الدولية والموافقة على قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها إزالة الاحتلال وضمان حق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على كافة الأراضي المحتلة عام 1976 وحل قضية اللاجئين طبقا للقرار 194. إن سياسية الانحياز الواضح التي عبر عنها الرئيس أوباما لم تخفيها بعض العبارات التي جاءت في بعض خطاباته من التزام بحل الدولتين وحديثه العاطفي في عبارات محددة عن حق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولتهم التي ينعمون فيها بأمن والاستقرار والرخاء كما ولم تستطع عبارات الإطراء التي وصف فيها مؤسسات السلطة الفلسطينية بإخفاء الانحياز المطلق لإسرائيل ودعمها على مختلف المستويات.
وبالرغم مما قيل عن زيارة الرئيس أوباما والتشديد على أنها استكشافية وهي كذلك، فقد كان من الطبيعي أن يسمع ما سمعه الرئيس أوباما خلال لقاءاته مع القيادة الفلسطينية من تأكيد على الموقف الفلسطيني الثابت بأن لا عودة للمفاوضات قبل وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى خاصة القدامى والمضربين عن الطعام والتزام إسرائيل بالمرجعية الدولية لعملية السلام وفق قرارات الشرعية الدولية ، بل ولا بد من تطوير هذا الموقف نحو أي مفاوضات لاحقة يجب تقوم على أساس ما نالته فلسطين من اعتراف في الأمم المتحدة في نوفمبر العام الماضي وأن يكون هدف المفاوضات إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال التام .
الرئيس الأمريكي أوباما أنهى زيارته التي استمرت ثلاثة أيام للمنطقة تاركا خلفه الكثير من المواقف التي يمكن قراءتها للوقوف أما السياسة التي ستعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضية الشرق الأوسط وفي مركزها القضية الفلسطينية بدون شك ، هذه السياسة التي سيعمل على تطبيقها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري حيث سيصل للمنطقة الأسبوع القادم ،إن ذلك يتطلب تقيما فلسطينيا موضوعيا للزيارة بعيدا عن ردة الفعل والانفعالات العاطفية والعمل على تحديد الرؤى والسبل التي لابد من اعتمادها خلال الحقبة المقبلة حيث ستتكثف الجهود ليس فقط لإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل من أجل ترتيب أوضاع المنطقة برمتها في هذا السياق سيتحدد موقع فلسطين على الخارطة، السؤال الذي يبرز في هذا المضمار كيف سنتعامل مع ما خلفته هذه الزيارة من قلق، ومع فتحته من أفاق ستتضح أكثر مع جولة وزير الخارجية جون كيري . انه سؤال كبير وتحدي أكبر لن يتمكن الفلسطينيون من الإجابة عليه إلا في حال إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة كي لا تكون فلسطين ضحية من يعد للمنطقة من ترتيب.
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
23-3-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت