حكومة رام الله وسياسة التلاعب بالرواتب

بقلم: سمير أبو مدللة


الاقتصاد الوطني ليس اقتصاد قطاع غزة فحسب، بل اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة معاً. وإذا القينا الضوء على قطاع غزة، رغم النظرة السوداوية لاقتصاده فقد نتج عن الانقسام توفير 35 ألف فرصة عمل جديدة من قبل الحكومة المقالة في غزة مما وفر دخل للعديد من الاسر.
لذا تعتبر السلطة الفلسطينية هي المشغل الرئيسي في قطاع غزة لأنها تنفق رواتب شهرية على الالاف من الموظفين كما تتحمل تشغيل قطاعي الصحة والتعليم اضافة إلى المساعدات الاجتماعية، ورغم ان التقديرات متفاوتة بما ينفق على غزة إلا انها في احسن الاحوال لا تزيد عن 100 مليون دولار شهرياً، تشمل الرواتب والمصاريف الجارية أي بما لا يزيد عن مليار إلى 1.2 مليار دولار سنوياً في احسن الاحوال أي حوالي 30% من الموازنة. وهذا يتناقض مع ما يتم الحديث عنه احيانا بأن غزة تأخذ 48% من موازنة السلطة الفلسطينية وحتى لو صح ذلك. فغزة جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ولها مكانتها في قلب الحركة الوطنية.
فالأموال التي تنفق على الضفة وغزة تأتي باسم الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات كما ان موظفي غزة عندما استنكفوا عن العمل بعد الانقسام جلسوا بناءا على قرار من السلطة التنفيذية والتي هي جزء من منظمة التحرير الفلسطينية المسئولة عن الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
يعاني قطاع غزة منذ الانقسام حالة تهميش وسلب للكثير من حقوقه بدءاً من سياسة قطع الرواتب لبعض الموظفين، ووقف العلاوات الإدارية والترقيات وعدم التوظيف وعدم إضافة المواليد ووقف التدريب المهني في الداخل والخارج بالإضافة إلى أزمة منتسبي الأجهزة الأمنية للعام 2005 وكذلك المعلمين تعيينات 2006-2007-2008.
لم يقتصر الأمر على ذلك ، فحالة من الحزن والاستنكار انتابت موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة نتيجة تأخير الرواتب والأزمة المالية منذ عدة اشهر، والتي تمثلت بخصم مبالغ مالية من رواتب الموظفين بدواعي تسديد فواتير الكهرباء والتي تراوحت ما بين 170 و 270 شيكل لتصل على بعض الموظفين إلى 800 شيكل، رغم أن ذلك يفتقد إلى القانون الذي لا يجيز عملية الخصم بدون حكم قضائي باعتباره منافي لقانون الخدمة المدنية. كذلك السلطة ليست وكيل لشركة الكهرباء. فهذا الإجراء جاء باتفاق بين سلطة الطاقة في رام الله ونظيرتها في غزة وبالاتفاق مع الحكومة المقالة بغزة.
وتواصلت تجاوزات حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله بحق موظفي غزة والتي وصلت إلى وقف مؤقت لبعض الموظفين المتواجدين في الخارج جراء الأوضاع الأمنية، أو الدراسة أو غيرها من الأسباب ولديهم توكيلات للأب أو الأخ أو الزوجة.
فبالرجوع إلى موضوع الكهرباء، فقد قامت الحكومة الفلسطينية في رام الله بإعفاء جميع ابناء الضفة الفلسطينية من تراكمات الكهرباء عليهم خلال الفترة الماضية في حين أن غزة والتي تتميز بالبطالة المرتفعة والفقر والحصار لم تحظى بهذا القرار، رغم ما تعانيه غزة من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي والتي تتراوح من 8 – 10 ساعات يومياً، والمشاكل المترتبة عليها من زيادة الإنفاق على الوقود للمولدات الكهربائية وما يترتب عليها من حالات موت وكوارث وتلوث بيئي.
إن الموظفين في قطاع غزة وجزء لا بأس به منهم يصنف ضمن حالات الفقر وخاصة ممن تقل رواتبهم عن 2400 شيكل، ستزداد صعوبة الحياة عليهم، وتراكم الديون إذا استمر الحال خلال الفترة القادمة مما يزيد الأوضاع سوءاً. فعلى السلطة الفلسطينية النظر إلى غزة نظرة مسؤولية وذلك بالتراجع عن القرار الخاطئ والظالم بحق مواطني قطاع غزة ومعاملتهم اسوة بمواطني الضفة من حيث اعفاء الكهرباء، والعلاوات الإدارية والتوظيف باعتبارها المسئول الأول والأخير عن هذا الشعب. كما ان غزة تساهم في موازنة السلطة عبر اموال المقاصة عن التجارة الخارجية مع اسرائيل أو عبرها، وجميع المبالغ تذهب لخزينة السلطة.
هذا ولم يعد خطاب السلطة والحكومة الفلسطينية التبريري كافيا لإقناع المواطن بأسباب تقاعس الحكومة بإقرار خطة تنموية، اقتصادية واجتماعية تؤمن تعزيز وتوسيع الانتاج، ولم يعد الحديث عن الضغوط السياسية والاقتصادية وهي قائمة بالفعل، كافية لتبرير تفاقم التدهور الاقتصادي والمعيشي، فهذه الضغوط متوقعة ويجب ان لا تسقط من حساب كل قيادة رشيدة لها خياراتها الوطنية المستقلة. وبالتالي فان الأزمة المالية مرشحة للتفاقم ولكن انعكاساتها يجب ألا تكون على صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود.
وأخيرا يجب على السلطة الفلسطينية اعادة النظر بصورة اخرى الى قطاع غزة باعتباره جزء من الوطن يعاني في ظل الانقسام والحصار، وقد يصبح غير محتمل بحلول عام 2020 أي بعد اقل من 7 سنوات من حيث الكثافة السكانية 5800 نسمة لكل كيلو متر مربع، الأمر الذي يفرض ضغوطاً هائلة على إمدادات مياه الشرب والكهرباء رغم أن حوالي 90% من المياه التي تتدفق من المنابع الجوفية في قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي دون إيجاد آلية لمعالجتها، وان 90% من مياه الصرف الصحي تصب بالبحر وما خفي كان اعظم.
كل هذا يستدعي ضرورة إنهاء الانقسام وإرثه بالعودة إلى طاولة الحوار الوطني الشامل التي تجمع كل القوى الوطنية والإسلامية وإعادة احياء العامل الذاتي الفلسطيني وعدم الانتظار والارتهان للعوامل الخارجية، فالانقسام طريق الفشل وضياع الحقوق الوطنية.
وختاماً يجب على الحكومة الفلسطينية في رام الله أن تتراجع عن القرارات المجحفة بحق غزة وأبنائها لتعود حقوقهم كاملة غير منقوصة، وكذلك على الرئيس ابو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ان تنظر إلى غزة باعتبارها جزء اصيل من الوطن وهي محاصرة وتحتاج إلى توفير مقومات الصمود فلا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة.

د. سمير مصطفى أبو مدللة
عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الأزهر- غزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت