نظر البعض الى زيارة رئيس الولايات المتحدة للمنطقة نظرة سطحية وهامشية حيث اعتقد هذا البعض أنه لا يحمل شيئا في زيارته ولا معنى لها ولن يكون لها أية نتائج تستحق الذكر ، وشطح هذا البعض مدللا على صدق رأيه بأن الرئيس الأمريكي لا يملك القرار الأمريكي لأن الولايات المتحدة تحكمها المؤسسات والرئيس شخص ينفذ فقط ما يأتيه من تعليمات ، وهناك من بالغ في أهمية الزيارة وأنها ستحمل حلولا سحرية لكثير من المشاكل التي يمكن تحريكها والتي تم التوافق عليها في الوقت الذي سبق الزيارة وأن الرئيس الأمريكي لا يأتي للمنطقة إلا وفي جعبته ما يقدمه لكل الأطراف التي سيزورها ولا يمكن أن يسجل على نفسه الفشل بإرادته .
وبين تلك الرؤيتين يجب البحث عن حقيقة الأمور دون مبالغة أو استخفاف فالرئيس الأمريكي يحكم كونه الرئيس المنتخب وهو على رأس الحزب الحاكم ويستطيع اتخاذ القرارات بما تخدم سياسة حزبه ولاشك أنه في دولة لها ضوابطها وقوانينها ولكن دوره وموقفه من السياسات الخارجية تلعب دورا كبيرا ولا يدعي أحد أنه متفرد في القرار كما هو حال الدول العربية – على سبيل المثال – ولكنه يدور حيث تكون المصلحة الأمريكية والشعب الأمريكي اختاره من أجل تحقيقها .
وليس المهم الخوض في شخص الرئيس الأمريكي ولونه وأصله ولكن الأهم أين تسير بنا المتغيرات الإقليمية المتسارعة الأحداث والتي تنذر بخطر عظيم ، لقد شهدت الساعات التي تواجد فيها الرئيس الأمريكي في المنطقة سلسلة من المنعطفات التي لها ما بعدها في السياسة الإقليمية ولعل أبرزها – والمسموح لنا معرفتها بشكل سريع حيث هناك أمورا سندركها فيما بعد – هي المصالحة التركية الإسرائيلية بشكل دراماتيكي سريع حيث يتصل نتنياهو – المتعجرف – برئيس الوزراء التركي – المصر على الاعتذار – وبكل بساطة يقدم له الاعتذار الذي يريد ، ويقبله رئيس الوزراء التركي دون كثير من المناقشة أو التفكير ، ويتفق الطرفان على العمل السريع لإعادة العلاقات الى طبيعتها ، هذا الحدث يؤشر أم أمرا إقليميا سيقع وسيكون للكيان الصهيوني وتركيا تنسيق كامل في حدوثه أو ضمان موافقة أو صمت تركيا عليه إذ لا يعقل القيام به في ظل توتر العلاقات التركية الإسرائيلية ، وهنا يجتهد البعض في تفسير هذا الحدث هل هو ضرب إيران أم ضرب سوريا وسرعة انهيار نظام الأسد أم ضرب لبنان في عملية استباقية لمنع حزب الله من امتلاك أسلحة غير تقليدية ؟؟؟ وتساؤلات كثيرة تنتظر الإجابات عليها .
والحدث الآخر هو تكليف وزير الخارجية الأمريكي – القريب من الساحة العربية وخاصة الشرق الأوسط – بمتابعة ملف المفاوضات وسرعة تحقيق اختراق بتقدمها ، وكالعادة القديمة الجديدة فقد وعد أوباما أنه خلال الستة شهور القادمة سيبلور رؤيته لتحريك عملية السلام ، نفس اللعبة القديمة على الجميع التحرك بحذر بانتظار الوعد الجديد للرئيس الأمريكي بعد ستة أشهر مع تقديم بعض جرعات الأمل حول ضرورة حل الدولتين والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وسيادة على دولته وكلمات ترضية في نقد سياسة الاستيطان وأنها مضرة لعملية السلام .
والحدث الثالث قصف إسرائيلي على موقع سوري في الجولان وتسخين الجبهة السورية ، هل هذا بداية لعمل عسكري في المنطقة ؟
الحدث الرابع هناك تسخين تدريجي حول قطاع غزة والحديث عن تنصل الكيان الإسرائيلي عن اتفاقياته مع حركة حماس ، وبداية تلميحات حول تسخين الجبهة الجنوبية للكيان الإسرائيلي هل هي مقدمات لفعل شيء ؟
وفوق كل ذلك لم يعد يتحدث أحد عن تحقيق المصالحة الفلسطينية وانغمس الجميع في مراقبة الوضع الخارجي والقضايا العامة في المنطقة وما يجري على الساحة الداخلية المصرية والتوقعات حول الساحة الداخلية السورية دون الانتباه الى الساحة الداخلية الفلسطينية ، هل هذا الفعل عفوي أم مقصود ؟ طرفي المصالحة يتظاهرون بالانشغال بالقضايا الكبرى الخارجية ولم يعد يتحدث أحد عن مستقبل المصالحة الداخلية هل هو اتفاق ضمني بين طرفي الانقسام على التأجيل أم هو الانشغال العام ؟
لاشك أن المنطقة مقبلة على متغيرات كبيرة ولكن هل نحن ندرك مكاننا منها ؟ وهل نعمل على استغلالها لتحسين أوضاعنا وتقليل خسارتنا ؟
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت