توبة اوباما ...

بقلم: محمد السودي


طوت زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للمنطقة صفحة أخرى من الإنتظارالفلسطيني غير المعلن ، ربما يكون السبب المباشرلذلك إتاحة الوقت اللازم لإعادة تشكيل الإدارة الأمريكية الثانية وسبر أغوارها حول فتح مسار سياسي يمكن له تجاوز حالة الجمود التي وصلت اليها المفاوضات المفرغة منذ سنوات عديدة جراء عدوان الإحتلال ومواصلة الإستيطان الأسستعماري بوتائر متسارعة لم يسبق لها مثيل.
أنهى الرئيس الأمريكي رحلته مثلما جاء ، تاركا خلفه بركان غضب رسمي وشعبي على حدٍ سواء،سيضيف إلى الذاكرة الجمعية الكراهية والسخط تجاه السياسات الأمريكية المتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني التوّاق للحرية والإنعتاق من أبشع احتلال عرفه التاريخ المعاصر ، بالرغم من الإعلان المسبق عن طبيعة الزيارة الإستكشافية كما أحبّ ان يصفوها الناطقون الرسميون بلسان البيت الأبيض قبل وصوله لغرض تخفيض مستوى التوقعات لدى بعض الأصوات التي بنت مواقفها على اعتبارات أن الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية سيكون أكثرتحللا من قيود الضغوطات الإنتخابية مجددا، لكن هذه الإدارة اكتشفت بعد مرور أربع سنوات على ولايتها الأولى أنها لازالت في طور الإصغاء والإستكشاف بعبارةٍٍٍ أخرى يحق للمرء أن يتساءل كم ستحتاج الإدارة الأمريكية من الوقت حتى تتمكن من صياغة رؤيا سياسية مقبولة قابلة للتنفيذ تستند الى قرارات الشرعية الدولية ؟ وأغلب الظن أن الإجابة ستكون في علم الغيب قد تمتدّ إلى ما بعد الإنتخابات القادمة.
لم تتمخض هذه الرحلة عن نتائج تذكر ذو علاقة بملف الصراع العربي الإسرائيلي ، عدا التملق المثير للإشمئزاز للحركة الصهيونية العالمية التي أنجبت دولة الأبارتهايد في فلسطين من خلال المغالطات التاريخية لطالب فاشل قدّم أطروحةٍ بائسة من صناعة دهاقنة الماضي الإستعماري السحيق ، رواية أوقعت صاحبها بالسقوط المريع في مستنقع الخداع عند أول اختبار له ، لعلّه ينال شفقة اسياده اصحاب النفوذ الذين يتحكمون بمجريات الأمور داخل بلاده، إذن هي زيارة إذعان وتوبة أمام غطرسة الإستهتار بكل القيم الإنسانية والأخلاقية ، تهدف إلى ترميم علاقات عامة تزيل التوتر بين الحليفين التقليديين التي أصابها الضررعلى خلفية الإهانات المتكرره للرئيس اوباما الكاظم للغيظ من قبل نتنياهو المستقوي بنفوذ اللوبي الصهيوني كان أخرها دعم المرشح الجمهوري "ميت روميني" لسدّة الرئاسة الأمريكية كأنها سحابة صيفٍ عابرة وهو ما بدا جلياّ أثناء مراسم الإستقبال في مطار اللد "بن غوريون" حيث تجاوز الاعراف البروتوكولية مصافحاّ بحرارة رئيس الحكومة قبل الرئيس الذي يفترض ان يكون أول المستقبلين له حسب الإجراءات المتبعة.
استطاعت حكومة اليمين الإحتلالية الإستيطانية الأكثر تطرفا حيال الحقوق الفلسطينية التي جاءت توليفتها قبل يومين فقط من الزيارة فرض اجندتها وفق أولوياتها المرتبطة بالملف النووي الإيراني الذي وجد تفهما امريكيا لتوجيه ضربة عسكرية للمنشأت النووية بعد التشاور والتنسيق معها ، والتأكيد على أمن اسرائيل باعتباره جزءا لايتجزأ من أمن الولايات المتحدة وبالتالي لابد من اعادة هيكلة الأقليم الذي سيكون لتركيا دوراّ محوريا به ، الأمر الذي يتطلب ترميم العلاقات الإسرائيلية التركية حيث لم يكن الإعتذار الإسرائيلي وليد اللحظة الراهنة انما جاء كنتيجة لاتفاق بإشراف الادارة الامريكية كي يكون جائزة اوباما الكبرى بالتزامن مع وجوده في المنطقة ووضع سلمّاً لرئيس الوزراء التركي للنزول عن رأس الشجرة ، وليس انتصاراّ كما يحلو لبعض المطالبين وصفه وعلى كل حال لمن لايعرف حقائق الأمور فإن العلاقات الإقتصادية بين تركيا واسرائيل زادت عن معدلاتها في الأعوام الأخيرة نسبة تتجاوز 42%، عن معدلاتها السابقة حسب المعطيات الإقتصادية المختصة أما الحديث عن رفع الحصار عن الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة بشكل خاص ماهو إلا ذّرٍ للرماد في العيون إذ سبق أن تعهدت حكومة الإحتلال بالتعهد على رفع الحصار بعد الإتفاق الذي رعته الحكومة المصرية اثر العدوان الأخير على قطاع غزة من بين أمور اخرى ثم نكثت به .
إن زيارة الرئيس أوباما للأراضي الفلسطينية بصرف النظر عن أهمية الإستقبال الذي اعتبر بمثابة بروتوكول دولة جاءت من باب رفع العتب والتأكيد على مواصلة العملية السياسية الذي تقتضيه استمرار حالة الهدوء وعدم التشويش على الترتيبات الأمريكية القادمه في المنطقة التي تشهد حالة من عدم الإستقرار إذ يصعب التنبؤ عند أي حدٍ ستؤول إليها الأوضاع ، مقابل تكرار الحديث العابرعن حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة للمرة الأولى دون ذكر للمكان والزمان المفترضين وكذلك من أجل ضمان عدم توجّه القيادة الفلسطينية الى محكمة الجرائم الدولية بعد حصولها على عضوية الدولة بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة .
لقد أظهرت الإدارة الأمريكية انحيازها المطلق لمخططات الإحتلال بل تبنّت الأفكار المتطرفة عند الحديث عن يهودية الدولة وبالتالي لابد من وحدة الموقف الفلسطيني وتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية وفق الجدول المتفق عليه بشكل فوري وبناء استراتيجية وطنية تستند إلى عوامل النهوض والمقاومة الشعبية بكافة اشكالها للمخططات الإحتلالية والإنضمام الى المؤسسات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة في مقدمتها محكمة الجنايات الدولية التي تعتبر الإستيطان جريمة حرب بامتياز ، كما يتطلب نقل الملف الفلسطيني برمته الى الأمم المتحدة باعتبار فلسطين دولة واقعة تحت الإحتلال ، ثمة ضرورة قصوى لتدويل ملف الأسرى الذين يواصلون نضالهم الدؤوب بأمعائهم الخاوية من أجل نيل حريتهم والحصول على حقوقهم كاملة.
شعبنا الفلسطيني لخص موقفه الناشط الفسطيني من داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام1948م ربيع عيد ، عندما قاطع خطاب اوباما بقوله هل جئت حقا الى هنا من أجل السلام ، أم لإعطاء اسرائيل المزيد من السلاح والإمكانيات لقتل وتدمير الشعب الفلسطيني ؟ هل رأيت جدار الفصل العنصري في طريقك ؟ متسائلا أيضاّ من قتل راشيل كوري الأمريكية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني ؟ راشيل قتلت بأموالك واسلحتك .ذلك هو الفلسطيني الطيب الذي تختزن ذاكرته كل الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ولا تسقط بالتقادم طال الزمن أم قصر ........
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت