زيارة أوباما لا حل .. ولا سلام

بقلم: غازي السعدي


تأتي زيارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" لإسرائيل، بعد (24) ساعة على تشكيل الحكومة الإسرائيلية رقم (33) وهي الحكومة الثالثة التي يرأسها "بنيامين نتنياهو"- التي نالت الثقة بأغلبية (68) صوتاً ضد (48) -هذه الحكومة ذات ميول يمينية سياسية استيطانية، فوزير البناء والإسكان من المستوطنين ووزير الجيش من أكثر المتشددين الذي تعهدوا بمواصلة البناء وتوسيع الاستيطان، كما كان عليه الحال، وفي مراسم استقبال الرئيس الأميركي في المطار، أقيم على شرف الضيف "أوباما" استقبال مهيب، حاولت الحكومة الإسرائيلية إظهار العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة، ولإزالة التوترات التي كانت قائمة بين الرئيس الأميركي، وبين رئيس الوزراء "نتنياهو" وأكد الصحفي الأميركي "جيف غولدبيرغ" أن الرئيس "أوباما" أكثر الرؤساء الأميركان ميولاً لليهود ولإسرائيل.
زيارة الرئيس الأميركي إلى كل من إسرائيل، ودولة فلسطين والمملكة الأردنية تندرج في سياسة الولايات المتحدة الإستراتيجية، خاصة في الشرق الأوسط، ولتعزيز شعبيته في بلده وقدرته على تأثير أكبر في الكونغرس الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، أما في إسرائيل فإنه أراد تعزيز الثقة التي تآكلت بين البلدين، والناجمة عن مواقفه في ولايته الأولى، وبعد أن فشل في تحقيق رؤيته بوقف كامل للاستيطان، وإلزام إسرائيل التفاوض على حدود عام 1967، لجأ في ولايته الثانية لإتباع أسلوب جديد، فقد تملق كثيراً إسرائيل، متجاهلاً الظلم الناجم عن الاحتلال الواقع على الشعب الفلسطيني، مع أنه حصل على جائزة نوبل للسلام، فأي سلام قام بتحقيقه، فهذا التملق تجاوز كثيراً القواعد الدبلوماسية، حين قال للإسرائيليين في هذه الزيارة:"أنتم لستم وحدكم بل نحن في ظهركم"، وقال:"التزامنا بأمنكم أبدي لا يتزعزع، ولن يكون لإسرائيل صديق أعظم من الولايات المتحدة، وسنستمر في تقديم المساعدات العسكرية لكم"، فقد يكون من وراء هذا التملق تليين الموقف الإسرائيلي تجاه الموضوع الفلسطيني، بإظهار الصداقة والعلاقات الحميمة لإسرائيل، غير أنه وبرأينا لم يسعفه هذا التملق، فالزيارة مصلحة إسرائيلية، وإسرائيل هي التي ستجني ثمارها، من إعادة العلاقات والثقة التي كانت متوترة بينه وبين "نتنياهو"، رغم تلقيه الصفعات، وفي كل مرة تنجح إسرائيل بتجاوز الخلافات مع أميركا، وإحباط جميع المبادرات الأميركية السلمية، منذ مبادرة وزير الخارجية "روجرس" عام 1968 وحتى اليوم.
لقد احتلت مجموعة من القضايا جدول أعمال أوباما مع نتنياهو وكان في صدارتها النووي الإيراني، فقد كرر "أوباما" ما سبق أن أعلنه بأنه لن يسمح لإيران بأن تصبح دولة نووية، وأن جميع الخيارات ما زالت مطروحة، وأنه يمهل إيران مدة سنة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، ومع ذلك فإن "نتنياهو" لم يكتف بتعهدات "أوباما" هذه، بل أنه يريد من "أوباما" أن يحدد موعداً لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، أما الموضوع الثاني على جدول أعمالهما، فقد كان الموضوع السوري، الذي لم يتسرب عنه شيء، والموضوع الثالث المسيرة السلمية مع الفلسطينيين.
مباحثات "أوباما" مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" كانت فاترة، وقد ظهر على وجه الرئيس الفلسطيني عدم الارتياح، خاصة بعدما لم يتطرق "أوباما" إلى المطلب الفلسطيني الرئيسي بوقف الاستيطان بل طالب للمرة ..... اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة وكان الرد بلا، فالمواقف الفلسطينية بقيت على حالها، وأن بقاء وزير الخارجية "جون كيري" لمتابعة العملية السلمية لا يعطي أملاً كثيراً بالنجاح، فقد فشل جميع المبعوثين الذين سبقوه بعملية اختراق المواقف الإسرائيلية، من المبعوث "ميتشل"، وحتى وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون"، فالرئيس "أوباما" ومن خلال تصريحاته ومواقفه غير المقبولة فلسطينياً، طالب الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، مع أنه اعترف في خطاب آخر أمام الإسرائيليين، بأن مواصلة البناء الاستيطاني لن تدفع بقضية السلام قدماً.
وزير الخارجية السابق "أفيغدور ليبرمان"، رئيس لجنة الخارجية والأمن حالياً، أعلن في مؤتمر صحفي، أنه لا حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وأنه يرفض أي حديث عن تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وقال أن من يتحدث عن حل للقضية الفلسطينية، يبدو أنه يعيش ويفضل العيش في الأوهام، مشدداً على أنه يستحيل حل هذا الصراع، وينبغي فقط إدارته، والسؤال:"إذنً لماذا هو وغيره من القيادات الإسرائيلية يوجهون الدعوات المتكررة للفلسطينيين، للعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت ذاته يتهمون الفلسطينيين بأنهم لا يريدون السلام؟ أما وزير الخارجية الأميركية في سنوات السبعينات "هنري كيسنجر"، فقد أعلن أنه لا يرى أن هناك فرصة كبيرة لحدوث انفراج خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأنه ليس متفائلاً.
إن معظم وزراء حكومة "نتنياهو" من المتشددين، ومن دعاة الاستيطان، وأعداء السلام، فقد أعرب البعض عن سعادتهم بأن تهديد السلام قد زال، وتنفسوا الصعداء، فالحكومة متفقة على حل القضايا الداخلية، ومنقسمة على العملية السياسية، وإذا عملت على تسوية مع الفلسطينيين، قد يؤدي ذلك إلى حلها، مع أن المفاوضات مع الفلسطينيين احتلت مكاناً مركزياً مع حزب الحركة، برئاسة "تسيفي ليفني"، التي كلفت بملف المفاوضات مع الفلسطينيين، أما حزب "يوجد مستقبل" برئاسة "يائير لبيد"، فلم يلق ذات الاهتمام، بل دحره إلى الفقرة الأخيرة في اتفاقه الائتلافي مع "نتنياهو"، غير أن "البيت اليهودي" برئاسة "نفتالي بينت"، فقد كان واضحاً برفضه مجرد إدخال كلمة "المفاوضات" ولا بكلمة واحدة باتفاقه الائتلافي مع "نتنياهو"، ومع ذلك يصر "نتنياهو" على خداعه، بأنه ملتزم بمبدأ دولتين لشعبين، وإقامة دولة فلسطينية، مع أنه في الخطوط العريضة للحكومة الجديدة، لا وجود لأي ذكر لحل الدولتين، باستثناء أن الحكومة ستسعى للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وإذا تم ذلك يُطرح على الحكومة والكنيست، أو للاستفتاء الشعبي العام، فإن استطلاعاً للرأي العام "هآرتس 20-3-2013" أشار إلى أن 60% من الإسرائيليين لا يعتقدون أن زيارة "أوباما" ستجدد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكي نخفف من تشاؤمنا، فإن نائب وزير الخارجية السابق "داني أيالون"، يقول أنه تم التوصل بين "أوباما" و"نتنياهو" إلى تفاهمات لا يمكن نشرها، كما أن هناك تخوف المستوطنين من زيارة الرئيس الأميركي، فلنترك الإجابة على كثير من التساؤلات للمستقبل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت