لم يكن يوم الأرض في الثلاثين من آذار 1976 بداية تمسك الشعب العربي الفلسطيني بأرضه ، بل هو يوم من أيام الدفاع عن الأرض والتشبث بها ، فالقضية الفلسطينية منذ وجودها هي قضية أرض ، والقضية الفلسطينية وجدت مع وجود الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر ، وذلك عندما انطلقت الحركة الصهيونية تفتش عن وطن قومي لليهود في أي مكان من بقاع الأرض ، ولأنّ الحركة الصهيونية هي أداة في يد الدول الأوربية لتنفيذ مطامع استعمارية ، فإنّ المنطقة العربية كانت هدفاً أوربياً لاستعمارها بما لها من خصائص استراتيجية على صعيد الموقع الجغرافي بالنسبة للعالم ، وبما تختزنه أرضها من ثروات طبيعية وخاصة ثروة النفط الذي بات يشكل عصب الصناعة الأوربية في القرن العشرين ، لذلك تم الاتجاه نحو فلسطين قلب الوطن العربي والجسر الواصل بين شرقه وغربه ، وبما تمثله فلسطين من مهد للديانات السماوية على امتداد التاريخ ومن بينها الديانة اليهودية ، وهذا كافٍ لجمع يهود العالم على أرض فلسطين لإقامة وطن قومي لهم .
ومنذ بداية الحركة الصهيونية أوجدت منطلقها الأساسي تجاه فلسطين ، هذا المنطلق الذي يدّعي أنّ أرض فلسطين خالية من السكان ، لذلك فإنّ أرضاً بلا شعب هي لشعب بلا أرض ، هو نفي لوجود الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين ، وإصرار على حق اليهود بأرض فلسطين ، وهذا فتح باب الصراع الصهيوني ـ العربي على أرض فلسطين ، فلمن تكون الأرض ، لشعب عاش على أرضها آلاف السنيين ومنذ أن دبت الحياة على الأرض ، أم لمجموعة بشرية مختلفة الأجناس واللغات يجمع بينها الديانة اليهودية .
ولتجسيد المنطلق الصهيوني بأنّ فلسطين هي أرض اليهود ، راح الصهاينة ومن كل أنحاء أوربا يتسللون إلى أرض فلسطين من أجل السيطرة عليها ، ولتمكين الصهاينة من السيطرة على أرض فلسطين ، كان لا بدّ من إضعاف العرب بتجزئة بلادهم إلى دول تفصل بينها حدود مصطنعة ، وذلك عن طريق اتفاق سايكس _ بيكو ، ومن ثم اطلاق وعد بلفور بإعطاء فلسطين وطناً قومياً لليهود ، وبعد ذلك وضع أرض فلسطين تحت الانتداب البريطاني من أجل تسهيل قدوم اليهود إليها ، مخطط يستهدف أرض فلسطين .
ولم يقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي ، بل قاوم هذه الهجمة الاستعمارية بكل ما هو متاح وممكن له ، ودافع عن أرضه بكل الوسائل ، فتجددت الثورات الفلسطينية ضد الصهاينة وضد الانتداب البريطاني ، ولم يبخل العرب وخاصة على مستوى الأفراد في الدفاع عن أرض فلسطين لأنهم أدركوا مدى الخطر الذي يشكله اغتصاب فلسطين على كل المنطقة العربية ، إلى أن كان ما سمي بحرب 1948 والتي شاركت فيها الجيوش العربية بكل سلبياتها لتكون النتيجة اغتصاب نحو 78% من أرض فلسطين ، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم ليصبحوا لاجئين يعيشون في المخيمات ، ومنذ ذلك الحين برزت القضية الفلسطينية بكل أبعادها .
إذاً فالصراع هو صراع بين طرفين حول الأرض ، فمن له حق الوجود على أرض فلسطين ، الشعب العربي الفلسطيني الممتدة جذوره في أرض فلسطين منذ بداية التاريخ ، أم الحركة الصهيونية أداة الاستعمار الأوربي والأمريكي ، وهو ليس نزاع حول أر ض خارج الجغرافيا وخارج التاريخ كما يريده الصهاينة ، وإنما هو صراع يتأكد بشكل يومي بأنه صراع وجود ، فالصهاينة ماضون في تمكين وجودهم فوق أرض فلسطين من خلال عمليات الاستيطان التي لا تتوقف ، ومن خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وهدم البيوت الفلسطينية بحجج واهية ، والشعب العربي الفلسطيني يصرّ على حقه فوق أرضه ، وحق اللاجئين بعودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طرودا منها عام 1948 .
فيوم الأرض هو كل يوم ، والصراع هو صراع وجود ، مهما جرت المحاولات لاختزاله على أنه صراع حدود ، فالحقيقة لا يمكن أن تغطى بغربال ، فجموع اللاجئين الفلسطينيين يناضلون من أجل حقهم بالعودة إلى أراضيهم المحتلة عام 1948 ايماناً منهم بأنّ أرض فلسطين هي أرض الشعب العربي الفلسطيني .
حمص في30/3/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت