كان ُيدر محطات التلفاز ،لمتابعة أخبار العالم رغم أنه ليس من المغرمين بالجلوس طويلا أمام التلفاز .. فرآه شابا أنيقا يرتدي أفخر الثياب ،وتبدو على ملامحه أنه من أسرة ثرية ،كانت الدموع تنساب من عينيه بغزارة كهطول حبات المطر في ليالي الشتاء الباردة رغم سخونة تلك الدموع ،تأثر بذاك المشهد الدراماتيكي ،فهو تقتله الدموع أيا كانت سواء أكانت الدموع لطفل صغير أو امرأة مقهورة أو شاب سقطت أحلامه سهوا أو رجل أثقلت كاهليه الشيخوخة ، فخانته منسأته، وتعثرت قدماه في الدروب !!،فهو يعترف أن الدموع تحيي فيه النبض الإنساني والذي خفت كثيرا في أيامنا ،وسواء أكانت دموع فطرية حقيقية أو دموع كاذبة وهمية كأقدام الأميبات ،ومن السذاجة برأيه أن تُصنف تلك الدموع ،لأن البشر لهم قدرات محدودة برغم طاقاتهم الهائلة إلا أن المجهول ، فمفاتح الغيب لا يعلمها إلا الخالق ورب الأكوان ، وأن البشر لهم ظواهر الأمور ،فليس من شأنهم معرفة ذاك الغيب ..!! المهم لأول وهلة تصور انه أي ذاك الشاب قد فقد عزيزا عليه ،أو أنه لم يُقبل في أي وظيفة، فغول البطالة يطارده،أو أن فتاة أحلامه قد فضّلت عليه شابا آخر، أو أنها رحلت عن دنياه فراح يتذكرها بعدما تساقطت خصلات شعرها الفضي اللامع كما يٌساقط الخريف أوراق الشجر لتعانق ذرات التراب ،وبعدما تناثر جسدها الرقيق وجمالها الباهر،وملامحها الدقيقة في حنايا القبر !! ،أو انه حزين لأنه أحس بظلمة وحشية اغتالت وجهه معاتبة له بعدما انطفأ ذاك النور ، فلم يقرا سورة الكهف يوم الجمعة ،فهو يعرف فضائلها والتي منها ،وكما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله عنها من قرأ سورة الكهف أضاء له الله من النور مابين الجمعتين ،حقيقة تزاحمت تحاليل ذاك المشهد في مخيلته على عجالة وانتابه الفضول الإنساني للمعرفة كما هو نفس شعوركم الآن أيها القراء الأعزاء !! ،وما هي إلا لحظات سريعة مرت كالبرق وإلا انتقلت الكاميرا لتغير مكان الحدث الذي آلمه ،وإذا بلجنة مكونة بكل عدل ومساواة من رجلين وامرأتين !!،عرفهم عندما كان الطرب ،والغناء شاغله الوحيد، وكانت الدنيا هي أكبر همه قبل أن يعتزل الفن ولحظات الهوى،وقبل أن يمضي بدرب الهداية ،حينها فقط أدرك انه أمام مؤامرة كبرى تحاك ضد الإسلام ،والمسلمين !! ،حيث سمع أحد جيرانه يصرخ بأعلى صوته قائلا: لن أصلي الآن.. فالبرنامج قد بدأ ،وسمع بكاء الأطفال عن دون قصد وهم يستجدون ..نريد أن نأكل يا أمي فنحن جوعانين !! ، فردت عليهم الأم بعجرفة ،وبدون أدنى اكتراث أو مسئولية : أصبروا حتى ينتهي برنامج العرب أيه دول ..!!،هكذا سمعها ،وما هي إلا ثواني معدودات وإذ بمنشور إعلانيا يحمل يافطة مكتوب عليها بالإنجليزية Arab Idol والتي احد ترجماتها المخزية "معبود العرب " أما يكفي معبودة الجماهير من قبل ،ومعبود النساء ،أما يكفي معبودُ بعض العرب في هذا الزمان أسلاك شائكة يسمّونها حدوداً دولية ؟!! ثم هو يدرك بثقافته أن معبود العرب في الجاهلية أصنامٌ من حجارةٍ و خشب !،لكنه تفاجأ هذه المرة بأصنام آدمية تتحرك من وراء منضدة وترصدهم الكاميرات،و تطوف حولهم ملايين البشر في عالمنا العربي ،وكأن على رؤوسهم الطير !! ،ولكن أن يصل ذاك المعبود إلى الطرب فهي قمة السخرية والمهزلة !!
حينها فقط انتابته كآبة شديدة ،وحزن شديد قائلا في نفسه :وأسفاه ألهذا يبكي الشباب في أزماننا ؟!،وهل لوكانت هناك مسابقة قرآنية هل سيبكي ذاك الشاب بنفس الحرقة،وهل يمكن لنا يوما أن نجد صدى ذاك الحضور الجماهيري للمتابعة في بلداننا العربية،ليتنا جميعا أيها الغافلون عن ذكر الله..، نتأمل قول الله سبحانه وتعالى :"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى))[طه:124-126]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت