فتوى "جهاد" النكاح، إباحة للزنا بامتياز

بقلم: رشيد شاهين

فتوى "جهاد" النكاح، إباحة للزنا بامتياز
رشيد شاهين

هل سمعتم عن جهاد النكاح، إنه وبحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام وما هو موجود على "اليوتيوب" آخر ما حرر أو صدر من فتاوى، وقد نسبت الفتوى إلى الداعية السعودي محمد العريفي الذي نفى في خطبة دينية له صدور مثل هذه الفتوى عنه معتبرا انها "كلام باطل لا يقبله العقل".

إننا ونحن نكتب في هذا الموضوع، فلأننا لا نستغرب صدور مثل هكذا فتوى، خاصة وان هنالك العديد من الفتاوى التي تشبهها أو على غرارها، والتي تتعلق جلها بموضوع له علاقة بالجنس أكثر من أي شيء آخر، هذا الموضوع الذي ما إن تأتي على ذكره حتى "يجفل الجافلون" و"يستنكر المستنكرون"، علما بأن الله سبحانه، يتحدث في قرآنه العزيز بكل وضوح، وبدون مواربة، عندما يلزم ذلك في الآيات التي تتعامل مع هذا الموضوع، كما ان الرسول العربي "ص" وصحبه، كانوا إذا ما ناقشوا الموضوع فإنهم لم يترددوا عن الخوض فيه بدون "حياء" أو خجل"،على قاعدة "أن لا حياء في الدين".

قبل هذه الفتوى كانت قد صدرت فتوى تتعلق بموضوع "جنسي" أيضا، حيث أفتى أحد الشيوخ "علي الربيعي" بأن خلع الملابس أثناء المعاشرة بين الرجل وزوجه يبطل الزواج وتعتبر زوجته طالق وتحرم عليه.

كما كانت هنالك فتوى أخرى من احد شيوخ اليمن "الحبيب بن عمر بن سالم" يمنع فيها المسلمات من الجلوس على الكراسي، ذلك أن الجن ينكحون النساء وهن جالسات على الكراسي وما شابهها – الكنب مثلا-، وقد أشار بن سالم فيما أشار، إلى أن الرسول وصحابته لم يجلسوا على الكراسي، واعتبرها – الكراسي- "من أخطر المفاسد التي ابتليت بها الأمة، وانها شر عظيم، والجلوس عليها خاصة بالنسبة إلى النساء رذيلة وزنى لا شبهة فيه".

فتوى جهاد النكاح، كان قد سبقها فتوى أخرى مشابهة من ذات الشيخ "محمد العريفي" برغم نفيه لذلك فيما بعد، وهي فتوى زواج المناكحة والتي تنص على " أن يقوم المجاهد بالزواج لساعات معدودة من سوريات، وذلك كي يفسح المجال للآخرين، ذلك ان مثل هذا الزواج يشد من عزيمة المجاهدين، ويعتبر من موجبات الجنة لمن يقمن به".

على أية حال فتوى جهاد النكاح هي ليست سوى فتوى أخرى تتعلق بموضوع "جنسي" بامتياز لا يحتمل التأويل أو التفسيرات "العرجاء"، هذا الموضوع الذي يشغل أمة "العربان"، بحيث أصبح هذا الموضوع "الجنس" هو مدار معظم ما يصدر من فتاوى، وكأن العقل العربي ليس سوى واحد من الأجهزة التناسلية التي لا ترتبط سوى بالجنس، وكذلك الموضوع الديني الذي بات لا يرى المسائل إلا من خلال هذا الإطار.

الفتوى بحسب ما نشر، عبارة عن نوع "جديد" من أنواع "الجهاد" والتي بحسب ما نرى، إنها في الحقيقة ليست سوى دعوة واضحة وصريحة "للفاحشة" التي نهى الله ورسوله عنها، وهذا "الجهاد" هو نوع من أنواع "الجهاد" الذي لم نسمع به من قبل ولا من بعد، ابتدعه من ابتدعه، وحلله من حلله.

هذه- الفتوى- لا تختلف كثيرا عن الفتاوى التي تَعِدْ "المجاهدين" بالحور العين في جنات النعيم، وبعشاء "فاخر" بصحبة الرسول الأعظم في ذات المساء الذي تصعد روحه "المجاهد" إلى السماء، هذا بغض النظر عمن هم ضحاياه، سواء كانوا عربا أم عجما، مؤمنين أم غير مؤمنين، مسلمين أو غير مسلمين، شيعة أم سنة، لا فرق، المهم أن تصعد روحه التي يقولون له بانها "طاهرة" إلى السماء، ليجد من "الأجواء" والمتعة والنشوة ما لا مثيل لها حتى في ألف ليلة وليلة.

إن مضمون فتوى "جهاد" المناكحة أو النكاح ينص فيما ينص على أن يقوم "المجاهد" بعقد الزواج على الفتاة التي لا بد وأن يكون عمرها أربعة عشر عاما فأكثر، أو من المطلقات أو الأرامل، ثم يقضي حاجته الجنسية بطريقة "شرعية"، ثم يتم بعد ذلك إلغاء العقد، ليعقد لذات الفتاة على "مجاهد" آخر، ربما في نفس النهار أو ذات الليلة، والحقيقة هي ان السؤال هنا، إن لم تكن مثل هذه الممارسة هي البغاء والدعارة بعينهما، فماذا يمكن ان تكون؟ وماذا يسمى مثل هذا النوع من الممارسة؟

ويقولون عن المسلمين انهم شعوب "متخلفة غليظة وهمجية"، تمقت الانفتاح ولا تكترث إلى الجنس وتنظر إليه على انه يحط من الأخلاق، ويتهمونهم بكل الصفات التي تجعل منهم شعوبا اقرب إلى الإنسان الأول والحيوانات منهم إلى الجنس المتحضر الذي يعيش في بداية الألفية الثالثة. انها دعوة إلى "الانفتاح" والتحرر لم تصدر أبدا عن أي جهة في العالم، دعوة إلى "البغاء الحلال" تماما كما هو الأكل المذبوح على الطريقة "الحلال"، وتحويل الفتيات المسلمات إلى "مومسات" لكن بفتوى أو بالشرع وبالقانون "يا بيه".

كنا نعتقد بأن ما يقال عن ممارسات شبيهة في جيوش بعض الدول أنها ليست سوى محاولات لتصوير جيوش "غير العرب والمسلمين" على انها جيوش "تفتقر إلى الأخلاق" بحسب ما تعلمناه، وانها وصلت إلى مرحلة من "الانحطاط غير مقبول في ثقافتنا العربية" ولكن من الواضح ان من أفتى مثل هذه الفتوى إنما يريد ان يرسل إلينا رسالة تفيد ان ليس كل ما تعلمانه صحيحا.

"جهاد" النكاح أيها السادة هي آخر "الصرعات" التي يمكن ان تخطر عل بال أي منكم، انها دعوة إلى نساء وفتيات العربان والمسلمين، التوجه إلى سوريا من اجل التخفيف عن "المجاهدين" في سوريا والترفيه عنهم، والقيام على إمتاعهم جنسيا حتى يرتوون قبل صعود "أرواحهم الطاهرة" إلى السماء واللقاء بحورياتهم اللواتي هن في الانتظار على أحر من الجمر في سررهن المرفوعة بأكوابهن الموضوعة الجاهزة بالشراب الطيب اللذيذ.

لكن إذا كان من يذهبون إلى الجبهات من المقاتلين أو الجنود من أجل الحصول على المال يطلق عليهم "مرتزقة" وهي صفة تتصف عادة بالخسة "والنذالة" فماذا يمكن ان نطلق على من يذهبن إلى الجبهات من اجل المشاركة في "المجهود الحربي" على طريقة "جهاد" النكاح، نعتقد بان الإجابة أو "التسمية" موجودة لدى كل منا.

الحديث عن فتوى "جهاد" النكاح، جاء بعد ورود أنباء عن توجه مراهقات تونسيات إلى سورية تطبيقا لها، وإبلاغ العديد من العائلات التونسية عن اختفاء "بنات" مراهقات، وسط ما قيل عن ترجيح سفرهن إلى سورية للمساهمة "في المجهود الثوري"، من خلال التطوع للترفيه عن "المجاهدين"، وإشباع رغباتهم الجنسية التي حرموا منها من خلال تواجدهم في ساحات "الوغى" وهم يقاتلون طاغية سوريا، الذي دمر البلاد واهلك العباد.

وفي هذا السياق، فلقد نشر على نطاق واسع مقطع "فيديو" يظهر والد إحدى الفتيات اللواتي قيل إنها غادرت للجهاد، وهو يبكي متوسلا عودة ابنته، ويهاجم أولئك الذين يقول انهم قاموا بغسل دماغ ابنته، كما ويناشد الحكومة التونسية وكل من له علاقة، بان يعيدها إليه. وكانت سلمى اللومي وهي إحدى القياديات في حزب "حركة نداء تونس" المعارض، وصفت الفتوى بانها "توريط للفتيات التونسيات، وانها عار على تونس، ودعت إلى التصدي لظاهرة تدفق الدعاة الوهابيين على تونس"

إن "التلطي" وراء الدين من اجل الترويج لفكر لا علاقة له بالإسلام الذي على الأقل نعرفه ونشأنا عليه، لا يمكن ان يكون هو الحل، ولا يمكن ان يوصل الأمة إلى أي مكان سوى المزيد من الخنوع والتخلف والتبعية.

إن ما يقال عن انتشار شبكات من الوهابيين من اجل استجلاب الفتيات للعمل مع "المجاهدين"، والتخفيف عنهم، من خلال إقامة علاقات زوجية عابرة لا تتعدى سويعات محدودة، هي ليست سوى علاقات "جنسية" تحمل كل مواصفات الزنا، كما أن مثل هذه الشبكات، لا تختلف بحال من الأحوال، عن الشبكات والعصابات الدولية، التي تعمل في مجال الدعارة وتجارة البشر، إلا ان هذه الشبكات "الإسلامية" تستقطب الفتيات من خلال هذا الاستغلال للدين.

ان فتح الباب أمام كل من هب ودب ليقوم بتحليل هذا وتحريم ذاك، وتكفير هذا وتزكية ذاك، لا يمكن ان يكون هو السبيل إلى مجاراة هذا التطور الذي يجري في العالم، ولا بد من وضع حد لهذا العبث الذي يسميه البعض "إفتاء" حيث لا بد لجهة ما في هذا العالم "الإسلامي"، لديها السلطة، أو القدرة، على تحديد الجهات التي يمكن لها ان تقوم بمثل هذا الأمر، ولا بد من ضوابط وقوانين تماما مثل تلك التي وضعت لضبط عملية الاجتهاد، التي تحكمها معايير وشروط محددة، بحيث تحول دون مثل هذا الإسفاف والاستهتار بعقول الناس وعواطفهم كما وغرائزهم.

كنا نتمنى ان يقوم هؤلاء الذين لا يفتون إلا فيما يتعلق بالجنس وفيما لا يقدم ولا يؤخر في كثير من الأحيان بجوانب الحياة البشرية، أن يبحثوا عن مواضيع مفيدة، ترتقي بالأمة من حالها الذي يسر العدو ولا يسر الصديق، من اجل الارتقاء واللحاق بشعوب العالم فيما ذهبت إليه من تقدم يفوق التصور والخيال، أن يقوم هؤلاء على إصدار فتاوى "تُقْلِعُ" بالأمة إلى السمو وإلى العُلى وإلى الإمام، فتاوى تجعل منها أمة سباقة في العلوم والتكنولوجيا والأبحاث العلمية التي تساعد على الخلاص من هذا البؤس ومن هذا التخلف، وأن تساعد على إخراجها من حالة العبودية والتبعية والاعتماد على الأجنبي في كل تفاصيل الحياة اليومية.

أخيرا نقول "اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف به" وحسبنا الله ونعم الوكيل
30-3-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت