لازالت دعوة امير دولة قطر لعقد قمة عربية خاصة بالمصالحة الفلسطينية يحضرها من شاء من قادة الدول العربية تحظى باهتمام كبير مع تنوع في رد الفعل الفلسطيني حول هذه الدعوة وتعددت المواقف بين مرحب ومشكك ومتخوف من هذه الدعوة وما قد يترتب عليها من نتائج وهناك من بالغ في تحليل الدعوة وقرنها بالتمثيل الفلسطيني والخشية على منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية التمثيل ، والبعض ربط موقفه من الدعوة بموقفه من الجهة الداعية – صاحب الاقتراح – وهكذا .
ولكن المتتبع لتطورات المصالحة وحالة المد والجزر التي تمر به ثم حالة السكون التام بعد التفاؤل الشديد يفرض على المهتمين أن يتقدموا بأفكار ومقترحات غير تقليدية لكسر هذا الجمود ولفرض حالة من الضغط على طرفي الانقسام خاصة في حال فشل الضغط الشعبي الذاتي ، ولعل دعوة الأمير القطري جاءت في هذا الجانب لتحريك هذا الملف بطريقة غير تقليدية .
البعض الذي دائما ينتقد المواقف القطرية ويأخذ عليها تقدمها في الفعل السياسي على الدول الكبيرة فهذا لا يملك المنطق في النقد أو الاعتراض لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ وعندما يتخلى الكبار – كما يحلو للبعض تصنيف الدول الى كبيرة وصغيرة - عن دورهم أو لا يتمكنون من فعل شيء لأسباب تتعلق بوضع هؤلاء الكبار أو استنكاف بعض الكبار عن القيام بدورهم المناط بهم فلا لوم أن يقوم – أو يحاول – الآخرين بلعب دور محرك لهؤلاء الكبار لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ أبدا ، ولو أن هؤلاء الكبار يقومون بدورهم حسب حجمهم لكانوا – كما كانوا – قادة للأمة ولسار خلفهم الجميع .
أما من يشكك في الدعوة في إمكانية نجاحها في تحقيق هدف المصالحة فهذا لا يعيب صاحب الدعوة بقدر ما يعيب طرفي الانقسام لأن الفكرة جاءت لخلق حالة ضغط على طرفي الانقسام ومحاولة تبديد مخاوف بعضهما البعض وحل لغز تعطيل المصالحة ، فمن يقول أن هناك " فيتو أمريكي " فإن الداعي للقمة الخاصة تربطه علاقة خاصة بالطرف الأمريكي وقادر على فعل شيء يتجاوز هذه الحجة ، ومن يعتقد أن هناك " فيتو مصالح للبعض المستفيد من الانقسام " فإن صاحب الدعوة تربطه علاقات مميزة مع هذا الطرف المستفيد ، وعلى هذا الاساس فإن الدعوة ستفضح حقيقة من هو المعطل وعلى مستوى القادة .
أما من يطرح قضية وحدانية التمثيل الفلسطيني فهذه حجة لا وجود لها وهي من صياغة من يريد افتراض أمورا وهمية لم يطرحها أحد ، لأن القمة المقترحة ليست قمة عادية أو رسمية أو عامة ، وحتى إطلاق لقب " قمة " على الاجتماع المقترح هو من باب المبالغة ولكنها في حقيقتها محاولة إشراك قادة عرب مهتمين بالشأن الفلسطيني للتدخل في المساعدة لإيجاد مخارج للحال الفلسطيني ، وحركة حماس اليوم كما يعلن قادتها يطالبون بانضمامهم الى منظمة التحرير الفلسطينية وهم اليوم أعضاء في اللجنة القيادية العليا للمنظمة ، وبالتالي اليوم لم يعد أحد يشكك في وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ويجب التعامل مع مستجدات الأمور ولا نبق أسرى تفكير ماضي أعلن أصحابه أنه لم يعد موجودا ، وحتى الموقف الرسمي للقادة العرب جميعا واضح ولا لبس فيه أنهم لا يعترفون سوى بالمنظمة ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني ولم تنجح كل المحاولات لاهتزاز هذا التمثيل أبدا .
أما جوهر الفكرة فهو يدل على العجز الفلسطيني أولا وقبل كل شيء في تجاوز ملف الانقسام وهذا الذي يدفع الآخرين للتدخل في المساهمة بوضع حلول قد تساعد على تجاوز هذه الأزمة ، مع الإدراك أن الشعب الفلسطيني لديه من الوعي والإدراك ما يجعله يميز الخبيث من الطيب ويعرف أبعاد ومغازي كل دعوة والاهداف من خلفها .
الموضوعية قضية مهمة في الحكم على الأمور دون مبالغة وشطط أو استخفاف في كل اقتراح أو دعوة تخص التقدم في تحقيق المصالحة لأنه بدون تحقيقها سنبقى في المربع المظلم ولن نتقدم خطوة واحدة مهما استمعنا لوعود من أطراف خارجية ، لن نكسب شيئا إذا خسرنا أنفسنا .
لا أحد يختلف أن إنهاء ملف الانقسام يحتاج الى إمكانيات وضمانات قد يحتاجها طرف أكثر من الطرف الآخر ولكنها مطلوبة ولعل اجتماع قيادات عليا قد يشكلون مثل هذه الإمكانيات والضمانات التي قد تزيل الكثير من تخوفات البعض ، يجب الخروج من مربع التشكيل أمام كل مقترح وعدم وضع الفرضيات الوهمية أمام أي تقدم قد نحققه ، لأننا بحاجة لجهد ودور الجميع والقضية الفلسطينية يجب أن تبقى القضية الأولى والمركزية للأمة العربية .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت