عسى قمة ترفعنا للقمة

بقلم: محمد فايز الإفرنجي


قمة جديدة عقدت بالدوحة لتضاف إلى عدد جديد لما سبقها من القمم, قرارات اتخذت وبيان ختامي تُلي عبر وسائل الإعلام, مناقشات جانبية وهامشية وجلسات علنية أمام "الكاميرات"، وثانية بالخفاء مغلقة عن الإعلام, وتوصيات وتشكيل لجان منبثقة وحزمة من الفعاليات.

كثيرة هي القمم العربية بعددها الذي وصل إلى أربع وعشرين قمة، قليلة هي الإنجازات، ضعيفة هي المواقف التي اتخذت ضمن قرارات الملوك والرؤساء, تصل في بعضها إلى الحد الأدنى من تطلعات المواطن العربي والإسلامي، والبعض الآخر لا يصل حتى إلى تلك الحدود الدنيا من التطلعات والآمال.

دومًا كان ينتظر المواطن العربي عامة والفلسطيني خاصة قرارات تلوح بالأفق ليبدأ زمان يصان به الحق وتساند به الشعوب المقهورة, وتلبى نداءات واستغاثات الأسرى, تطمئن القدس بأقصاها وأرضها أن هناك من سيدافع عنها، ويمحو آثار محتل دنس سطحها.

قمة جديدة اتخذت العديد من القرارات التي ساندت الشعب الفلسطيني بقضيته: دعم مادي للقدس وصمود أهلها, ومصالحة فلسطينية تنال أهمية ويدخل الطرف التركي على مسارها، ورئاسة سوريا تتبدل رغم بقاء الطاغية بشار الأسد، ومصر برئاستها الجديدة وتونس وليبيا ربيع عربي يزهر بالقمة؛ فينعش الآمال والتطلعات إلى اختلاف جوهري عما سبق من القمم.

لن أرسل كلمات اليأس، ولن أحبط النفوس التي ترجو قمة بلون عربي مزهر بربيع جديد يطل علينا، ومازالت دماء شامنا تسيل، ومصرنا كل يوم تمزق من أعداء ديمقراطيتها وأعداء نجاح الحكم الإسلامي فيها, وفلسطين ما بقي فيها سوى الفتات من أرض تهود، وأراض تصادر، وإنسان يسجن، وآخر يقتل داخل أقبية التحقيق، وأسرى يضربون عن الطعام يتحدون بحياتهم ظلم السجان, كثيرة هي همومنا التي لا تكاد تحصر في كلمات، بل تحتاج إلى مجلدات هموم وطن كبير فاقت حجمه وقدرته على الصمود في وقت لا نجد معه قمة تعزز من هذا الصمود وتدعمه.

مليارات رصدت لإعادة إعمار غزة بعد حرب عام (2008-2009)، ووعود وعهود برفع حصار عن شعب زاد من عنائه كهرباء مازالت تقطع، وقرارات بدعمه، وللقدس صندوق خاص بها يساندها للصمود في وجه الطغيان، ما وجدنا من هذا الأمر شيئًا على أرض الواقع سوى تلك القرارات التي كان مصيرها أدراج القمم، كما سبقها من أوراق هفا عليها الزمن يعلوها غبار السنين.

إن قمة يحتاج إليها المواطن العربي والفلسطيني هي قمة حق تقال في قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حق يساند أصحاب الحق ضد أهل الباطل من محتلين ومن أعداء للأمة، سواء كان من داخلها أم خارجها .

إن قمة واحدة كافية لتنوب عن هموم الشعوب العربية والإسلامية حينما تكون تطلعات الملوك والرؤساء والأمراء جميعها تصب في مصلحة هذه الأمة، ولا تستهين بأرض احتلت أو بخيرات تنهب أو بحرية في قراراتها وقوة في اقتصادها، حينما يدرك هؤلاء القادة أننا لسنا بحاجة لأمريكا ولا لغيرها؛ فنحن عصبة أولو بأس شديد إذا ما اجتمعنا على حق.

نحن بحاجة إلى قمة يعلو بها صوت الحق، تسحب المبادرة العربية فيها، وتكون المطالبة للإدارة الأمريكية والكيان المحتل بإنهاء هذا الاحتلال بشكل فوري، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين كافة, وإنهاء التدخل الروسي بدعمه جيش بشار الأسد في قتل أبناء الشعب السوري، ورفع الأيدي عن خيارات الدول العربية والإسلامية، وأن يكون سلاح النفط هو الأمضى في فرض حريتنا واستقلالنا؛ أن العالم اليوم يقوم على النفط والاقتصاد، وبيدنا بيد العرب والمسلمين مفاتيح هذا الاقتصاد.

فقط اتفاقنا واتحادنا والخروج من قفص التبعية الأمريكية هو الحل السحري الذي نمتلكه، وله تأثير أساسي في حل قضايا الأمة، بدل التنديد والاستنكار والنداءات التي نتلوها منذ عقود دون مبالٍ بها ولا بنا.

لهجة الضعف التي تنتابنا هي سر ضعفنا والاستهانة بنا في عالم لا مكان به لسوى الأقوياء، الذين يقفون صفًّا كالبنيان المرصوص ضد كل دخيل على أرضهم ومصالحهم وخيراتهم، مهما كانت قوة هذا الدخيل.

نتمنى أن تكون القمة بما تناولته من قضايا أولى الخطوات التي تحرك قضايانا إلى الأمام، وتخرجها من عنق الزجاجة؛ لتبدأ بمعالجة حقيقية لها.

قمة عربية إسلامية هي مطامع لنا ولكل مواطن؛ من أجل غد أفضل يرفع عن كاهلنا عقودًا من الذل، عقودًا من القهر وسلب أراضينا واحتلالها والنيل من خيراتنا وكرامتنا.

سننتظر تطبيق قرارات ما جاء بهذه القمة مع أنها لم تحمل إلينا سوى الحد الأدنى من تطلعاتنا، وسنبقى دومًا تعلو هاماتنا منتظرين ربيعًا عربيًّا يزهر فينا وفي القدس ودمشق والقاهرة وكل العواصم، قبل أن يزهر على الأوراق بقرارات تتخذ بقمم نخشى أن تبقى حبيسة أوراق تكتب عليها.

سننتظر نهاية للانقسام الفلسطيني في القمة المصغرة بالقاهرة التي نتجت عن قمة الدوحة؛ عسى أن تكون نهاية للحالة الفلسطينية وما يشوبها من أزمات، ورفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، والعودة الحقيقية إلى برنامج إعادة الإعمار فيه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت