إذ ما سألنا خبراء التنمية عن ماهية الصف النموذجي، لحصلنا على إجابات متعددة جداً ومتباينة فيما بينها، ففي الوقت الذي يركز البعض على أهمية الوسائل التعلمية والتكنولوجية، في إطار بيئة الصف المدرسي، يركز آخرون على تلك البيئة النفسية والاجتماعية المساندة للطلاب، والأسلوب المُستخدم في عملية التفاعل مع الطلاب، فيما يذهب آخرون للدمج بين الجانبين، وأحياناً يكون التباين على التفاصيل الداخلية والمكونات الأساسية للصف النموذجي، وترتيب تلك المواد الداعمة والمساندة وفق الأولويات ، ولكن لا يختلف اثنان على أن العنصر الأكثر أهمية في العملية التربوية التعليمية، هو رأي الطلاب، فَهُم الأكثر تحديداً لحاجاتهم النفسية، الاجتماعية، التربوية، والتعليمية، وبالتدقيق في هذا الجانب نجد الاختلاف النوعي بين نظرة الخبراء ونظرة الطلاب، ونظرة المجتمع "أهالي ومؤسسات"لطبيعة الفصل النموذجي.
أتصور أنه لا توجد عناصر ثابتة في تحديد ماهية الفصل النموذجي، بقدر ما توجد محاولات مدروسة يُقاس أثرها ويتم تطويرها لتحسين الأجواء النفسية، الاجتماعية، التربوية، والتعليمية في إطار المدرسة، اعتماداً على رأي الطالب، بشكل أساسي، وقدرة هذا الأخير على تطوير مهارته الذاتية، معارفه، ومواهبه، من خلال إنخراطه النوعي في العملية التربوية، التي تتسع دائرتها لتشمل البيت، المدرسة، والمؤسسة.
لم تكُ تلك الاختلافات والنقاشات التربوية لتظهر، لولا تلك المبادرة المجتمعية التي أطلقتها جمعية الثقافة والفكر الحر- مركز بناة الغد، بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم بخان يونس، حيث انخرطت مجموعات من الطلاب في إطار عمل تربوي، ساهموا خلاله في إنتاج وتشكيل بيئتهم الصفية، معتمدين أثناء عملهم على تطوير قيمهم وتحويلها من إطارها النظري البسيط إلى إطار سلوكي نموذجي يتماشي ورؤيتهم وميولهم، إن الطلاب غيروا بيئتهم الصفية لتصبح أكثر ملائمة لهم، أكثر جاذبية، وساهموا في تطويع التكنولوجيا لخدمة قيم النظافة، وكذلك ترشيد استهلاك المياه في مدرستهم من خلال تعرفهم على طرق ربط الدوائر الإلكترونية فأنتجوا حاوية قمامة، تشكر الطلاب، لأنهم يحافظون على نظافة مدرستهم، صنعوا خزانة، ومكتبة صفية لهم، وساهموا في تغيير شكل صفهم ليليق بهم كطلاب يستحقون الأكثر على الدوام.
كم كنت سعيداً بكل شيء، فعلى ما يبدو أن هذه التجربة أوجدت مادة تربوية للنقاش والتفاعل، وساهمت في تحريك المياه الراكدة، التي اتمنى أن تفضي إلىحراك مستقبلي من خلال التعاون الإيجابي بين المؤسسة الرسمية وغير الرسمية في إطار تنمية المجتمع، فالحكمة تقتضي الإقرار الإيجابي بالإدوار المتنوعة والمختلفة لجميع الأطراف الفاعلين في المجتمع، وتقتضي أيضاً تفعيل الجميع لخدمة هدف معين في إطار مفاهيم المواطنة التي تقتضي تعزيز قيمة الحق، وقيمة الواجب معاً، فحق الطلاب أساسي وذو قيمة فضلى، في أن يحصلوا على تعليم،ضمن إطار بيئة آمنة، راعية، ومساندة لهم، وواجب المؤسسة الرسمية، وغير الرسمية، هو استثمار كل المبادرات الإيجابية، التي من شأنها تعزيز العملية التربوية والتعليمية وتحسين جودة البيئة المدرسية، ليتسنى لنا المساهمة في بناء جيل قادر على التفاعل مع المتغيرات المتنوعة في الحياة، وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية في عالم يشهد إنفجارات معرفية، فأصبحت العملية التعليمية أكثر تنوعاً وانفتاحاً معرفياً وتربوياً، ففي الوقت الذي نشهد فيه تركيزاً شديداً جداً على التحصيل، نغفل وبشدة عن الجوانب المهارية الأخرى التي تعتبر دافع أساسي لزيادة التشويق ورفع مستوى التحصيل. وكذلك عن عمليات التجريب العملي التي من شأنها تعزيز الفكر الابداعي عند الطلاب وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وبيئتهم المدرسية، وبالتالي مجتمعهم.
مبادرة تحسين جودة البيئة التعليمية، محاولة جادة في إطار التدخلات المهنية التي من شأنها أن تحدث تغيراً على نفسية الطلاب بالدرجة الأولى، وتزيد من مستوى تحصيلهم التعيليمي، وفق استخدام وسائل تعلمية نشطة وتفاعلية، حيث أنني أشعر بالفخر لأني كنت أحد الأشخاص الذين ساهموا في إيجاد هذا التفاعل التربوي، في إطار البيئة الصفية، ومنح الطلبة الفرصة النوعية في استثمارملكاتهم الإبداعية في إطار تحسين جودة بيئتهم الصفية والمدرسية، حقيقة الأمر أن طلاب مدرسة عيد الأغا، فعلوا شيئاً يستحق الكتابة، فيما يبقى السؤال معلقاً هل هذة المقالة تستحق القراءة ؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت